Site icon IMLebanon

نصرالله يفاوض واشنطن على سطوح بيروت

 

 

 

في آخر إطلالاته الإعلامية بمناسبة «يوم الجريح» في الثامن من آذار 2022، تحدّث الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بلهجة دفاعية استيعابية لروسيا، وأسهب في التطرق إلى دورها وتبرير مواقفها، وخاصة في الحرب على أوكرانيا، وذلك في محاولة لاسترضاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغاضب من الموقف الإيراني غير المؤيد لموسكو في الأمم المتحدة، ومن الموقف اللبناني الرسمي الذي قال نصرالله إنّه كُتب في  السفارة الأميركية في عوكر، فيما يعتبر طعنة من الخلف للروس، في بلد يمتلك فيه الإيرانيون الأغلبية السياسية.

 

كان نصرالله معنياً من الناحية العملية باستيعاب تداعيات الموقف الإيراني من الحرب الروسية في أوكرانيا، وإعلان موسكو اشتراطها تأمين مصالحها كشرط للموافقة على الاتفاق النووي مع إيران، وللحفاظ على التوازنات الهشة القائمة في سوريا، والتي يمكن أن تنقلب رأساً على عقب إذا حصلت تحوّلات يشعر الروس أنّها وشيكة، وهي تتمثّل في انحياز إيران إلى الولايات المتحدة، وعقدها صفقة تضمن لها مصالحها وتثبيتاً لميليشياتها في سوريا واليمن والعراق، وطبعاً في لبنان.

 

مغازلة ملغومة لواشنطن

 

الوضع الآن يقف على حافة الاتفاقات والانفجارات، ويبدو أنّ «حزب الله» يمهّد لعقد الصفقة مع الإدارة الأميركية من خلال معطيات شكلية وجوهرية، لعلّ منها انخفاض لهجة نواب «حزب الله» تجاه سقف التفاوض حول ترسيم الحدود البرية، وهذا ما عبّر عنه النائب حسن عزالدين عندما اعتبر أنّ ما يجري الآن عملية تفاوض تتناول السقوف المختلفة وبالتالي ليس هناك ما يدعو للقلق، مضيفاً في حديث إلى قناة «أن.بي.أن» يوم الجمعة 11 آذار 2022 أنّ عملية التفاوض قائمة ولها خصوصيتها وهي ستعرض في النهاية على مجلسي الوزراء والنواب.

 

جاء خطاب نصرالله إسترضائياً لروسيا، على اعتبار أنّه جزء مؤثر وفاعل من السياسة الإيرانية، ويُعتبر بنظر موسكو مسيطراً في الساحة اللبنانية، ومن هنا، جاء حديثه المطوّل عن الأزمة الأوكرانية وعن سياسات أميركا التوريطية للرئيس الأوكراني وفريقه، وتقديم التبريرات لروسيا في الحرب.

 

استرضاء أميركا هو الأساس

 

لكنّ لدى التدقيق في ثنايا الخطاب الاسترضائي لروسيا، يتضح أنّه كان مجرّد تغطية لاستمرار التفاوض مع الولايات المتحدة في لبنان حول النفط والحدود، ورغم كيل الاتهامات لواشنطن وسياساتها، إلاّ أنّ نصرالله مرّر إشارة عميقة توضح استعداده للتفاهم مع واشنطن.

 

تحدث نصرالله عن رفض الأميركيين للعرض الروسي بإنشاء مصفاة لإنتاج المشتقات النفطية وحلّ أزمة لبنان خلال 6 أشهر، وعن أهمية العرض الروسي، لكنّه في الوقت نفسه، قال:«أنا «حزب الله» أقول لكم ليأتِ الشيطان الأكبر بشركة أميركية تعرض مثل العرض الروسي، ووقّعوا معهم. أنا أقول لكم أمضي معهم إذا كان هناك حل، وإذا كان هناك بديل يؤمِّن الفيول والغاز للكهرباء ويؤمِّن البنزين والمازوت والمشتقات النفطية بالليرة اللبنانية بدون مشقات النقل والاعتماد ويوفـِّر عملة صعبة بالمليارات لماذا لا».

 

تضمّنت هذه الفقرة، تشريحاً وتبريراً مباشراً وواضحاً لقبول الدخول الأميركي إلى قطاع النفط والغاز، متضمّنة الاستعدااد العملي لاستبعاد الخيار الروسي إذا حضر الأميركي.

 

يمكن اعتبار هذا الموقف تفاوضاً فوق السطوح، (سطوح بيروت)، كما يقال، وهو يمثل جوهر موقف «حزب الله» الذي يغطّيه بالانتقادات لأميركا وبتوزيع الأدوار مع الرئيس الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل.

 

كما أنّ كلام نصرالله يعتبر تمهيداً أمام الرأي العام لما سيحصل، مع تقدم المفاوضات، واقتراب الطبخة التفاوضية من النضوج.

 

تجنيب عون وباسيل الانتقاد

 

حرص نصرالله على تجنّب توجيه الانتقاد المباشر للرئيس ميشال عون، بشأن الموقف من الأزمة الأوكرانية، وتحدث عن تقصير وزارة الخارجية اللبنانية، وحصر الانتقادات بوزير الخارجية عبد الله بوحبيب، ولم يصل إلى عون، ولا إلى النائب جبران باسيل.

 

الهدف من ذلك، تمرير الانتقادات أمام الرأي العام، والحفاظ على الهامش المتفق عليه بين الطرفين في عملية التفاوض الجارية مع الرئيس ميشال عون من الجانب الأميركي، والتي تحوّل فيها رئيس الجمهورية إلى قناة وساطة متقدمة بين الجانب الأميركي وبين «حزب الله».

 

واللافت أيضاً نجاح عون في تشكيل قناة تفاوض جدية بين الحزب والجانب الأميركي، لصالح البحث في تخفيف أو حتى إلغاء العقوبات عن جبران باسيل، وعن شريحة من رجال الأعمال الشيعة الداعمين لـ«حزب الله» في إفريقيا بشكل خاص.. وهذا يفسر تصعيد النائب محمد رعد مؤخراً للتسريع في إدخال الحزب مباشرة في هذه العملية.

 

في الشكل: تقضي أصول اللعبة بإعطاء عون وباسيل هامش مناورة كافياً للحفاظ على قنوات الاتصال بالإدارة الأميركية، ودعم جهود رفع العقوبات عن باسيل، بل وإعادة تأهيله خارجياً بعد أن أعيد تجديد تفاهم مارمخايل وأصبح التحالف قائماً الآن بين باسيل و«حزب الله» وليس بين عون والحزب، وهذا ما سينعكس في الاستحقاقات السياسية والانتخابية الداهمة.

 

هكذا سيمرّر نصرالله الاتفاق

 

يتكىء نصر الله على الصيغة اللبنانية المتنوعة وعلى هيكل الدولة اللبنانية وفي مقدمها رئاستا الجمهورية ومجلس النواب ورئاسة الوزراء على طريق الاستلحاق، من أجل تبرير وتغطية وتمرير مفاوضاته وإنجاز اتفاقه مع واشنطن على ترسيم الحدود الجنوبية وتقاسم ثروات النفط والغاز في الإطار الإقليمي.

 

وهنا لا بدّ أن نلاحظ أنّ التفاوض يجري بعيداً تماماً عن مشاركة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي ليس له أي تأثير جدّي أو دخول على هذا الملف، بينما التنسيق بين «حزب الله» وحركة أمل ومع رئاسة الجمهورية قائم بشكل متواصل من خلال الحزب.

 

هكذا يحتفظ نصرالله بخطابه المعادي لأميركا في الشكل ويستمر في تخدير جمهوره وفي فرض نظريات المقاومة على سائر اللبنانيين، فمن مهمات الخطاب الانتقادي المخفّف الاستمرار في تحريك عواطف وغرائز الجمهور الشيعي، الذي يفترض أن يتواصل إسماعه عبارات الشتم لأميركا ليطمئن إلى استمرارية الممانعة.. وبهذا تكون صفقة العصر قد تمت بين حزب المستضعفين والاستكبار الأميركي الذي يسميه الايرانيون الشيطان الأكبر، على حساب الدولة والكيان اللبناني.

 

تحوّلات كبرى ستشهدها المنطقة، ومنها لبنان من المحتمل أن تعيد رسم الخرائط الاستراتيجية: اتفاق أميركي إيراني سيعيد ترتيب التحالفات الموضوعية لتصبح السعودية والإمارات وتركيا في تلاقي مصالح جدي مع روسيا والكيان الإسرائيلي، في مواجهة إعادة إطلاق يد إيران في المنطقة.

 

خلاصة الموقف

 

أنّ عملية التفاوض الجارية يقودها حسن نصرالله وجبران باسيل بتوافق تام بين الجانبين، وباستخدام موقع رئاسة الجمهورية كغطاء دستوري وسياسي، وهي متجهة نحو التفاهم مع الولايات المتحدة على اتفاق يعطي إسرائيل ما تريد، ويمنح حزب الله الهيمنة على لبنان، ويخرج جبران باسيل من العقوبات الأميركية ويفتح الباب أمامه نحو رئاسة الجمهورية.