بمعزل عن الانقسام «النمطي» حول رحلة مسيّرات «حزب الله» نحو حقل كاريش، فإنّ ما لا يمكن إنكاره او تجاهله هو أنها وضعت ملف الحدود البحرية والثروة الغازية على نار حامية.
بدا واضحاً انّ رسالة الحزب دفعت جميع الأطراف ذات الصلة الى مراجعة حساباتها، خشية الانزلاق الى حرب لا تناسب أحداً في هذا التوقيت، ذلك انّ المطلوب بالنسبة إلى الجميع استثمار آبار الغاز الكامنة في باطن البحر وليس تفجيرها.
ويسود «حزب الله» اقتناع بأنّ المسيّرات تمكنت من إعطاء قوة دفع لمجمل الملف في الاتجاه الذي يخدم الموقف اللبناني في نهاية المطاف، «حتى لو انّ بعض المسؤولين رفضوا التقاط الفرصة واللحظة تحسّباً لرد الفعل الأميركي».
ويبدو ان ميقاتي أبلغ إلى قيادة الحزب انه تعرض الى ضغوط لإصدار البيان الشهير «وما في داعي لتكبير المسألة». الا انّ رده لم يكن مقنعاً، ولو ان الحزب ليس في صدد تشتيت الأولويات حالياً وخوض اشتباك سياسي جانبي معه، من دون أن يعني ذلك غضّ الطرف عمّا حصل.
المهم من منظار الحزب انّ رسالته وصلت، ليس فقط الى تل أبيب بل أيضاً الى واشنطن المعنية بالتعجيل في حسم الوجهة النهائية للخطوط البحرية المتنازَع عليها، بعدما ضاع كثير من الوقت الثمين في الأخذ والرد.
ومن المعروف انّ ملف النفط والغاز يخضع الى إدارة مباشرة من قبل الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله المولَج وحده حتى إشعار آخر بالكلام العلني والرسمي باسم الحزب في هذا المجال، تماماً كما كان وضع ملف الاسرى.
والأرجح انه ستكون للسيد نصرالله إطلالة بعد عيد الأضحى لشرح حيثيات عملية المسيّرات ومقاربة المواقف التي صدرت حيالها.
والى حين ان يُلقي السيد الخطاب المرتقَب، ما لم يطرأ اي تعديل، يُنقل عن قيادي كبير في الحزب قوله: «انّ موقف الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب هو مجرد تفصيل في سياق المشهد الكبير والاستراتيجي. صحيح انه تفصيل مزعج لكنّ مفاعيله العملية تبقى محصورة ضمن إطار الازعاج الذي لا يؤثر على المسار العام للمقاومة».
ويُنسب الى القيادي تأكيده انّ البيان الاعتراضي الذي صدر عن ميقاتي وبوحبيب لا يعكس كل الاتجاه الرسمي، «إذ انّ رأي الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري مُغاير، وللأسف يبدو أنّ بعض الذين اعترضوا يبحثون عن دور من خلال الأميركي».
ويشدّد القيادي الكبير، وفق ما يُنقل عنه، على أنّ الحزب كان ولا يزال خلف الدولة في مسألة الترسيم، «أمّا عملية المسيّرات فلا علاقة لها بالترسيم بتاتاً، بل هي خدمة مجانية قُدمت للدولة من أجل تقوية موقعها التفاوضي دفاعاً عن حقوق لبنان، وكذلك هي ترمي الى دفع الأميركي والاسرائيلي نحو الخروج من دائرة المناورة والمراوحة، وكان واضحاً انّ الملف تحرّك بقوة عقب إرسال المسيّرات».
ويعتبر القيادي، تِبعاً لما يُنسب اليه، انّ «حقل كاريش يقع تلقائياً ضمن المنطقة المتنازع عليها، ما دام لم يتم بعد الاتفاق على الترسيم، وإلا ما جدوى معادلة قانا مقابل كاريش التي طرحها البعض».
ويلفت القيادي، تِبعاً للرواة، الى انّ «إرسال المسيرات ليس عملا حربيا، فهي لم تكن مسلحة أو في مهمة قتالية، علما انه كان بمقدور الحزب استخدام وسيلة اكثر عنفاً لإيصال التحذير، مثل الصاروخ، ولكنه لم يفعل».
ويستغرب القيادي في «حزب الله» كيف أنّ هناك في السلطة مَن تصرّف بطريقة مستهجنة توحي انه لا يريد الاستفادة من قوة المقاومة في المفاوضات، مضيفاً: كيف حسبوها لا ندري. يا أخي المقاومة موجودة، معك ومن دونك، وهي واقع ثابت بمعزل عن رأيك في ما فعلته، فلماذا لا تستفيد منها بدل ان تتبرّأ منها؟
لكن وعلى رغم بيان ميقاتي – بو حبيب المعترِض على مهمة المسيّرات، فإنّ الحزب ليس نادماً على تسميته في الاستشارت الملزمة للتكليف، تبعاً للقيادي إيّاه، «إذ انه الوحيد القادر على تشكيل الحكومة وهو خيار الممكن في هذه المرحلة».