تلقت قناة التفاوض الرسمية اللبنانية ممثلة بالرؤساء والوزراء، كما تلقت الجمهورية اللبنانية بالامس التوجيه من المرشد، الذي لم يجهد نفسه بحفظ ماء وجه من وقف خلفهم شكلاً ووكلهم بالتفاوض، ليضطر في ما بعد الى نزع الأقنعة عن وجوههم، في توقيت يتطلب من الأصيل في إمساك القرار، بأن يقصي البديل، من دون ان يحفظ له ما يستر به كرامته.
ومع ان الجمهورية برئاساتها، بدءاً من بعبدا إلى السراي الى عين التينة، تعرف ان ليس لديها الا مجرد تكليف بالتفاوض قابل للنقض في أي لحظة ترتئي فيها ايران، فإنها استرسلت في تصديق ما تقوم به باعتباره تفاوضاً من طرف يملك قرار التفاوض. ربما راهن هؤلاء الرؤساء وفي طليعتهم الرئيس عون الذي خاض حرباً على الرئيس نبيه بري لانتزاع ادارة التفاوض على الترسيم، معتقداً أنه بذلك يعزز مكانته المهزوزة، ويحسن فرص صهره للخروج من العقوبات، ربما راهنوا على أن التفاوض بالوكالة سيطول أمده الى حدّ تصديق القدرة على توقيع اتفاق الترسيم في أيلول المقبل، كما قال الرئيس عون، وهذا بدا بعد كلام نصرالله وهماً نسفته ضرورات ايران التي تعتبر أن ورقة ترسيم الحدود البحرية من أثمن ما تمتلك في مفاوضاتها الصعبة مع الولايات المتحدة الأميركية واوروبا واسرائيل.
لقد نسف نصرالله كل عرض التفاوض اللبناني، الذي ارسل عبر الوسيط الأميركي هوكشتاين، فهذا العرض لم يتضمن حسم الترسيم ببدء التنقيب في الجانب اللبناني، بما يسميه نصرالله الحصار المفروض على لبنان. فالتنقيب اذا حصل بعد الترسيم سيكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بضمان الاستقرار عبر الحدود البحرية والبرية على السواء، وهو ما يخشاه الحزب، لانه يريد ابقاء ورقة «المقاومة» ورقة قابلة للاستعمال عند الحاجة، اما البدء بدراسات التنقيب ومن ثم الاستخراج فسيعني بدء هدنة هي اقرب الى السلام البارد مع اسرائيل، الذي يعني بدوره ان دور السلاح سيتضاءل الى حدود الصفر، فيما دور السلاح يتخطى مجرد التسمية التي تعطيه اياها ايران اي المقاومة، الى دور الاداة الفاعلة في مشروعها الإقليمي.
لقد كرس نصرالله بالامس مزارع شبعا البحرية، وتخطى للمرة الأولى «الذين لم يفهموا عليه» فأرسى معادلة ايران في الترسيم البحري، وبالتأكيد فإن قنوات التفاوض الدولية مع طهران بما يختص بالترسيم، وابرزها القناة الفرنسية، لن تضيع الوقت في تصديق ان هناك مفاوضاً لبنانياً، وهي طالما لم تأخذ الامر بعين الجدية، وبالتالي سيكون التفاوض الاوروبي مباشرة مع طهران، وهذه هي النتيجة الطبيعية لحقيقة التفاوض بين من يمسكون قرار التفاوض.
ولقد كرس نصرالله ايضاً اقتراب الوفاة السريرية، لمفاوضات الناقورة التي كان من المزمع استئنافها، فأي تفاوض سيجري، فيما حدد سيد الجمهورية إطاراً جديداً للمفاوضات، لا علاقة له بمعادلة كاريش مقابل قانا والخط 23، بل يمتد الى ربط التنقيب بالتنقيب على وقع استمرار السلاح وما ينتجه من قلق يبعد الشركات العالمية التي ستفكر بالتنقيب، آلاف الاميال عن الشاطئ اللبناني.
إن ابقاء ورقة «المقاومة» التي وظفت لاحقاً في سوريا واليمن والعراق، حتم ابتداع شبعا برية، وها هي شبعا بحرية تولد، كي تؤدي الوظيفة نفسها، ويمكن بالتالي توقع فشل مفاوضات الترسيم منذ الآن، لأن «حزب الله» ربط هذه الورقة باستراتيجية ايران ونفوذها في المنطقة، وهذا التوظيف لن يكون الاول ولا الأخير، لأنه يتصل بغاية انشاء «حزب الله» وبصلب مهمته.