»الجمهورية الإسلامية في ايران، لم تتخلَّ ولا في يوم من الأيام عن حلفائها، ولا يوم من الأيام باعتهم أو فرضت عليهم خياراً ولا يوم من الأيام أمرتهم بأمر، ولا يوم من الأيام سخّرتهم لمشروع إيراني خاص بها، هذا لم يحصل، والذي لديه شاهد فليأتِ به»، قليلون الذين يتذكّرون اليوم هذا الكلام لأمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي قاله في مقابلة لقناة «الإخباريّة» السوريّة في 6 نيسان العام 2015، يوم الإثنين الماضي جاء الردّ على نفي نصرالله لاستخدام إيران الدّماء العراقيّة والسوريّة، ودماء شيعة لبنان التي أُريقت في لبنان وفي سوريا ولا تزال تارة لحساب المشروع الإيراني النووي، وتارة لحساب الأجندة الإيرانية ومخططاتها في المنطقة، والردّ عليه جاء من إيران نفسها وعلى لسان رئيس جمهوريّتها حسن روحاني الذي تحدّث بصراحة عن فوائد الأوراق الأمنية العراقيّة والسوريّة في المفاوضات النووية.
من يتذكر اليوم ما قاله نصرالله من غزلٍ في التفاوض الإيراني مع مجموعة الـ 5+1، ومن يتذكّر التبجيل والتطبيل والتزمير لإيران عندما قال في تلك المقابلة: «تجربة التفاوض على الملف النووي الإيراني يجب أن يُتخذ منها العبرة وتُدرس وتُـحلل ويُستخلص منها دروس ونتائج لكلّ الدول والحكومات والشعوب أيضاً التي تتفاوض على قضايا محقة، عندما نتكلم عن مفاوضات»، في كلمته صباح الاثنين الماضي، وخلال مراسم تكريم المفاوضين الإيرانيين، أكّد روحاني ما ظلّ اللبنانيون يتحدّثون عنه منذ حرب تموز العام 2006، ودأب حسن نصرالله على تكذيبه والادّعاء أنّ من يتهمون الحزب بالعمل لمصلحة الأجندة الإيرانيّة هم كتبة مستأجرون ـ وقد كذّبت الأيام الماضية هذا الادّعاء مع انكشاف الشبكة الإعلامية الكبرى التي تعمل لصالح إيران في لبنان ـ فقد قال روحاني بالحرف الواحد: «لو لم يقاتل جنرالاتنا في بغداد وسامراء والفلوجة وتكريت والرمادي، وكذلك في دمشق وحلب، ولولا بسالة قوات (النظام) والحرس الثوري والشرطة ووزارة الاستخبارات، لما كان لدينا الأمان لنفاوض بهذا الشكل الجيد»!!
تباهى حسن نصرالله في لقائه على الإخباريّة السوريّة بأنّ «الإيراني رفض أيّ نقاش في أيّ ملف غير الملف النووي، لأنّه عندما يفتح الملفات الثانية فإنه سوف يُضغط عليه، وسوف يصير على حساب أصدقائه وحلفائه» بل وقال: «أنظري إلى إيران عندما جلست تفاوض دائماً كان يقال في لبنان إنّ الإنتخابات الرئاسية في لبنان موقوفة على المفاوضات النووية، وسوريا مرتبطة بالمفاوضات النووية والوضع في البحرين مرتبط بالمفاوضات النووية والوضع في العراق والوضع في فلسطين.. نحن منذ اليوم الأول نتيجة معلوماتنا وليس تحليلاً من بعيد، نحن سألنا الإخوة الإيرانيين في أعلى المستويات وقالوا: التفاوض هو فقط على الملف النووي ونقطة على أوّل السطر، لا نتكلّم عن شيء آخر غير الملف النووي، لا نتكلّم عن لبنان ولا عن سوريا ولا عن العراق ولا عن البحرين ولا عن فلسطين ولا عن النّفط ولا عن الغاز ولا عن شيء آخر، وخلال السنوات الماضية كان الأميركيّون دائماً يُصرّون على إدخال ملفات أخرى على الطاولة، الإيراني كان يرفض»!!
وجاء كلام الرئيس الإيراني ليكذّب كلام نصرالله، إذ تحّدث الأوّل عن المكاسب التي حقّقها المفاوض الإيراني بفضل «وجود مستشارينا العسكريين في كلّ من العراق وسوريا، وفّر هامشاً أمنياً لإيران، لإجراء المفاوضات النووية مع القوى السداسية الدولية»، وتجاهل روحاني في كلمته الإشارة إلى فضل حزب الله ودماء مقاتليه التي تُراق على مذبح المصالح الإيرانيّة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وكثير من دول المنطقة العربيّة، بالطبع لأنّ هذه الدّماء تحصيل حاصل وهؤلاء ليسوا أكثر من «جنود» في جيش الوليّ الفقيه!!
في 6 نيسان العام 2015 تحدّث حسن نصرالله وفي تلك المقابلة عن الإنجاز الإيراني في الاتفاق النووي وجلس وحَسَبَ المليارات التي سيُفرج عنها لصالح إيران، والمضحك أنّ حزبه وقبل أقل من سنة على هذه الأوهام يعيش أزمة مالية خانقة، ونوّاب حزبه يتحدّثون عن مؤامرة انهيار العراق والتخوّف على إيران وحلفائها بفعل المؤامرة السعودية التي تدفع باتجاه انهيار سعر النّفط، يومها تواضع نصرالله وتحدّث عن الاتفاق النووي الإيراني فقال: «نحن نرى فيه إنجازاً كبيراً بالتأكيد مثلما قال كثيرون، العدوّ والصديق والخصم والحاسد والمحبّ، الإثنين قالوا إنّ هذا الإتفاق إذا استمرّ فمعناه أنه سيعزّز من قوّة وحضور إيران وتأثير إيران في المنطقة»، وأفضل من كذّب كلام نصرالله هذا هو مندوب المرشد الإيراني علي خامنئي، حسين شريعتمداري في صحيفة «كيهان» الذي قال قبل يومين: «إنّ الاتفاق النووي ليس فتح الفتوح، وليس فيه أيّ معجزة كما يتشدّقون»، بل وانتقد ما تروّجه حكومة روحاني حول «انتصار نووي» إيراني، وقال متهكّماً إنّ «مكاسبنا من الاتفاق النووي مجرّد بالونات هوائيّة وسكاكر»!!
نعم، هي مجرّد بالونات هوائيّة وسكاكر دفع ثمنها اللبنانيّون قتلى بالآلاف، وتدفع ثمنها الطائفة الشيعيّة في لبنان خيرة شبابها ليس دفاعاً عن سوريا، ولا عن بشار الأسد، ولا عن المقامات، ولا عن القرى الشيعيّة في سوريا، كلّ هذا الكلام أكذوبة كبرى، الحقيقة أنّ كلّ هذه الدماء تُراق ما بين لبنان وسوريا، وكلّ هذا التدمير الممنهج للدّولة اللبنانيّة ولرئاسة الجمهوريّة هو دفاعٌ عن مصالح إيران في المنطقة، وكلّ هذا ليس أكثر من بالونات هوائيّة وسكاكر بالنّسبة لإيران، إنّه الدّم الهباء ولكن بطعم السكاكر!!