في الأسابيع الأخيرة ظهر السيد حسن نصر الله أكثر من مرة على جمهوره فرحاً بكل زينته اللغوية وصال وجال في الشأن السياسي كما يهوى، ولا أعرف أمن حسن الطالع أو من سوئه أن معظم خطب نصر الله موجودة على الشبكة العالمية، ومن يرغب في رصد (التناقضات) في ذلك الخطاب الحسني، فإن المادة الأولية موجودة، وهي تناقضات تميل إلى احتقار ذكاء المستمع وتراهن على محدودية ذاكرته. يستخدم نصر الله في خطابه إلى جمهوره، مترادفات اللغة العربية على شكل (جيل صادق، مخلص، وطني…) أو (التضحيات، والصمود، والإنجازات…) مما يشكل تبذيراً لفظياً من شيمة قُراء المناسبات التي تدغدغ عواطف العامة وتستدر دموعهم عندما يصبحون (أسرى المكان والزمان).. لم تخرج خُطبه الأخيرة التي تدفقت إبان المناسبات الدينية من ذلك المنحى العام، إلا أنه زاد عليها مفردات مثل (الانتصار الأول) و(الانتصار الثاني) وربما يضاف الثالث في القريب، من يدري! هي أعداد يقررها السيد ويفرضها على مريديه ويشير من بين احتفاله بانتصاراته إلى حرب 2006 والتي يحتفظ المخزون الإلكتروني بخطاب له وقتها يقول فيه: (لو كنت أعرف أن كل هذا الدمار سوف يحل بلبنان، لما بدأت الحرب)! ليس هناك مشكلة بين السيد حسن وبين تابعيه، فهم مصدقوه حتى لو قال لهم إن البحر الأبيض أصبح يابسة، وسوف يجد من أنصاره من يحلف بأغلظ الأيمان أن ما تلمسه يده من ماء البحر، ما هو إلا يابسة كما يقول السيد! المشكلة بين السيد حسن والحقيقة، فهي حقيقة يصنعها، يصدقها حتى لو كانت مفارقة للعقل، تلك طبيعة القيادات الشعبوية المضللة في تاريخ الإنسانية، ونصر الله ليس استثناء. أما ما يقوله عن (تزاحم العائلات لإرسال أبنائهم إلى الجبهة) فهو يحتاج إلى تفكير أعمق، إما أن تكون تلك العائلات ليس لها علاقة بطبيعة الإنسان العادي الذي يخاف على أبنائه، وإما أنها أُسر قد فقدت العاطفة الإنسانية برمتها، لتجعل من أبنائها طعماً جاهزاً للقتل في الساحات التي يقررها (المرشد) ويأمر بها السيد حسن فيرسل إليها أبناء البسطاء.
مناسبات ظهور السيد حسن على جمهوره كثيرة، ولا أكثر من يصطف مجموعة من الناس في ساحة، وتركب الميكروفونات والشاشات الكبيرة، ثم يطل السيد من خلف الحجب، دون أي اتصال مباشر مع الجمهور ومن شاشة كبيرة، ليقول ما قرر أن يقوله، وهي مفردات وتعابير أصبحت جاهزة (جبهة المقاومة، الحزب، المرشد، أميركا) من جهة، ومن جهة أخرى التكفيريين! وكلما ضيقت الدول المتحضرة والمؤسسات الدولية على الحزب والجمهورية (المرشدية) زادت حنجرة السيد حسن جهراً بكيل الاتهامات وادعاء الانتصارات، والتضليل. زبدة أحاديث السيد نصر الله القول إن «كل ما يحدث في هذا العالم هو عبارة عن مؤامرة تستهدف الجمهورية الإيرانية، وتستهدف جبهة المقاومة! وأخيرا تستهدف (حزب الله)!» دون أن يرعى فكرة أنه يرسل ميليشياته لمحاربة شعب أراد فقط أن يتخلص من ديكتاتور له من السجون أكثر مما له من الجامعات، وأنه في الداخل اللبناني يقمع شعباً بكامله من جراء حمله السلاح وتهديد بقية المكونات اللبنانية بالويل والثبور إن هي قررت أن يكون لها وطن حر وأرض بعيدة عن تسلط قوى خارجية، كمثل تسلط إيران من خلال وكيلها «حزب الله» على الدولة اللبنانية. هناك على الأقل ثلاث فئات لبنانية؛ أولها تلك المجموعة المستفيدة من «حزب الله»، والثانية الخائفة منه حتى مناصريه، والثالثة المجبورة على الصمت وقصر احتجاجها على مناورات سياسية، فلم يعد في لبنان على أرض الواقع قوة حقيقية إلا قوة سلاح حزب الله، الذي قرر من بين أمور أخرى أن يختطف لبنان ويجعله أسيراً، ويمد أيضاً نفوذه إن أمكن إلى الخارج، مستنداً إلى تمويل وحماية الجمهورية الإيرانية، فهو في أدبيات السياسة المعروفة يشبه في النهاية (جيش لحد) الذي صنعته إسرائيل في جنوب لبنان، الفرق الوحيد أن الأخير صناعة إسرائيلية والأول صناعة إيرانية! لماذا يهاجم حسن نصر الله في كل واردة المملكة العربية السعودية، ويُوصِّفها بتلك الأوصاف التي من بينها (الالتحاق بالولايات المتحدة) مثلاً، في والوقت الذي تولول الجمهورية المرشدية من مغبة خروج أميركا من الاتفاق النووي؟ أو القول لمناصريه، كما فعل أخيراً إن «السعودية هي خلف تقسيم العراق» واتهامات من هذا القبيل، السبب في كل ذلك أن السعودية تقف مع لبنان الدولة، كما تقف مع مصالح الشعب السوري واليمني. يحتد السيد في خطابه إلى حد الذهاب إلى (شيطنة المملكة) لحساب مشغليه في طهران، وليس لمصلحة أي شيء آخر، فالوقوف أمام التوسع الإيراني الزاحف على أرض العرب، يجعل من حنجرة السيد تتحول إلى مقذوفات كلامية. في بعض الأحيان يفقد السيد حسن حتى تحسس حجمه، فيطلق التهديدات من قبيل «نتائج لا يمكن تحملها» وهو هنا يشير إلى كلام العاجز لا تقديرات القادر! في الأسابيع القليلة المقبلة سوف تتضح استراتيجية الإدارة الأميركية تجاه التعامل مع إيران، ومن المتوقع أن تتجه تلك الاستراتيجية إلى التضييق على إيران وربما تتصاعد إلى مواجهة بشكل ما، وقد مُهد لهذه الاستراتيجية من خلال عدد من التشريعات المقدمة إلى الكونغرس، ضد إيران وأيضاً «حزب الله»، كما أن تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني محمد على جعفري، الذي قال: «في حال أقرت أميركا إجراءات حظر جديدة، فعليها أن تنقل قواعدها مسافة ألفي كيلومتر عن حدود إيران»! كما إن أقرت أن الحرس الثوري منظمة إرهابية! إذا كانت تلك التصريحات قادمة من طهران، وهي كذلك، فما معنى انتصار «حزب الله» الأول والثاني؟ لا بد أنه ينتظر الانتصار الثالث، والعالم ينتظر خطبة نصر الله المقبلة، ليعرف كم من أبناء لبنان يرغب في تجنيدهم ليقدموا على مذابح الحروب بالوكالة!
آخر الكلام:
من المتوقع بعد إعلان الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إيران، أن يتفجر الصراع الداخلي إلى درجة قد تضطر «حزب الله»، والحشد الشعبي، لإرسال مجنديهما إلى الداخل الإيراني!