Site icon IMLebanon

مشقة البحث عن «حقوق المسيحيين»

الجنرال ميشال عون يشكو. يهدد بنقل الشكوى إلى ما لا تحمد عقباه. يطالب «شركاءه» في الطوائف الأخرى، باستعادتها. على ضآلة مردودها وضحالة نتائجها. يقارن بينها وبين «حقوق السنة». النصاب السني مكتمل، في المؤسسات «الدستورية»، في الإدارات وفي توزيع الأنصبة حصصاً. يسأل الجنرال عن «حصة المسيحيين». نصابها منتقص، منتهك، مهدور ومغتصب. حدث ذلك بعد «اتفاق الطائف» وبعد «الحقبة السورية» واستيلاء ميليشيات الحرب وقادة الأموال المفرطة على الدولة. كان حظ المسيحيين الفتات نيابياً ووزارياً وإدارياً وقراراً.

يقارن الجنرال بين حقوق، يعتبر نفسه مؤتمناً عليها، وبين حقوق الشيعة. نصاب الشيعية السياسية فائض عن الطائفة وعن الكيان حتى. حصتهم في النظام اللبناني مكتملة ومضمونة وراسخة. قطارهم على سكة الداخل آمن، وعلى سكة الخارج، «كالشرق السريع». لا يشكون من قلة. مطمئنون إلى مواقعهم في الإدارة والمؤسسات وفي تبوء صدارة النفوذ وفي مواقع اتخاذ القرار، أو تعطيله.

من حق «الجنرال»، في نظام الأنصبة الطائفي، أن يطالب «بما تبقَّى له» وليس «بما أخذ منه»، بعد هزيمة عسكرية في حرب الخمسة عشر عاماً. ومن حقه أن يشكو وأن يرفع مظلوميته، ويحتج بقوته التمثيلية راهناً، والغبن التمثيلي، بسبب قانون الانتخاب المجحف بحق المسيحيين.

قد لا يكون الجنرال محقاً، في رفع «حقوق المسيحيين». هذه مسألة لا يأخذها بعين الاعتبار. هو صاحب الحق، في تحديد حقوقه، لا سواه… هكذا هو لبنان الطائفي المرجعية السياسية لزعماء لبنان، هي في حراستهم لحقوق طوائفهم، واقتصارها عليهم.

لم يقل «الجنرال» وداعاً لـ «التغيير». لكنه بالفعل، ودّعه، واستبدله بالمشاركة. وقبل «الجنرال»، كانت الشكوى. كان النصاب الماروني في السلطة والإدارة والجيش والأمن والقضاء مكتملاً، وفائضاً عن حاجة وحجم المسيحيين… شكت السنية السياسية. طالبت بالمشاركة. هم في الدولة، ولهم حصة فيها، لا تعطى عطية، بل تؤخذ وتسجل في صكوك الملكية السياسية للطائفة. تناوب على الشكوى، رؤساء حكومات، أبرزهم رشيد كرامي وقبله صائب سلام، وبداية، مع عبد الحميد كرامي.

وقبل شكوى «الجنرال»، استيقظ «المارد الشيعي» من غفوته. شكا السيد موسى الصدر الحرمان، طالب بالتغيير من داخل النظام. اصّر على حقوق الطائفة المهدورة والمغتصبة. دعا إلى إحقاق «حقوق الشيعة» أسوة بباقي «مكونات» الكيان. حقق المشاركة، ولم يحقق التغيير. انتقل الحرمان إلى طوائف ومذاهب أخرى.

هذا نظام يكرِّس «المظلومية» الطائفية، ظالمة ومظلومة. لا إمكانية للعدل الطائفي. الطائفية والعدالة ضدان. جُل ما يطالب به قادة «المظلوميات» المنتقلة هو التعادل الطائفي. وهذا، دونه تعادل إقليمي ودولي مفقود.

فأي معركة يخوضها الجنرال؟ هل هي معركة الخوف على مصير المسيحيين في الشرق. مسيحيو لبنان حالة «ممتازة» إذا قورنت بأحوال المسيحيين في المشرق. الخوف في لبنان، ليس على المسيحيين من أقرانهم في المذاهب الإسلامية ـ السياسية. الخوف يساكن السني والشيعي، برغم ما لهما من حصص وافرة وفائضة في النظام… الأصوات المتهورة والعاقلة لا تكف عن التحذير من الفتنة السنية ـ الشيعية، ومن انتقال الحريق الإقليمي إلى لبنان… تبدو المسألة كلها، انها معركة من دون طحين. تفتقد معركة الجنرال، إلى قوة، تفتح كوة في جدار الممنوع عليه، والتي يعتبرها، ممنوعة على المسيحيين.

لا أفق لمعركة «الجنرال». الإنجاز المتاح، إنجاز سلبي: تعطيل عمل المؤسسات مؤقتاً، الحجج والذرائع، على أهميتها، محكومة بالنتائج، وهذه غير متاحة، فلا أرجحية لانتخابه رئيساً ولا ضمانة لتعيين قائد للجيش، يطالب به، حجته في التعطيل: «لماذا تنكرون عليَّ ما تجيزونه لأنفسكم». يريد أن يكون مساوياً ومتساوياً مع نبيه بري وسعد الحريري و… وليد جنبلاط. هؤلاء محصنون، ما أخذوه من حصة المسيحيين المهزومين في الحرب إبان الحقبة السورية، يطالب باستعادته. وهذا، دونه مشقة التنازل المستحيل لقوى استطابت السلطة والنفوذ وحصصها الدسمة في المحاصصة. فباتت أقوى من الدولة.

معركة «الجنرال» ليست معركة صغيرة، على ضآلة مطالبه فيها. هذه المعركة الصغيرة، تحتاج إلى قوة غير متوفرة داخلياً وإقليمياً وظرفياً. ما هو متوفر لها هو بعدها الطائفي البحت. والطائفية إلغاء للوطنية والمواطنة. والطائفية غير قابلة للاستعمال ميدانياً. الحرائق في الإقليم اشتعلت من المنازلة الميدانية بين حقوق الناس وتسلط الأنظمة التي ألغت الحقوق الأساسية للشعب. الميدان أحرق من فيه، وأشعل حروب المذاهب البربرية. المسيحيون في لبنان، طلقوا البنادق. ذاقوا طعمها المر ونتائجها الوخيمة عليهم. يعرفون أن الغلبة في الشارع غير ممكنة، ويدركون حال العطالة الإقليمية في إنتاج الحلول.

هل معركة الجنرال غلط؟

ربما. وقد يكون ذلك فألاً حسناً، إنما، ستزداد حالة البلد سوءاً واهتراءً. ما تبقى من الدولة سيحتله الفراغ وما يفرزه من قمامة السياسة. وعليه، سيبقى لبنان يراوح بين السيئ والأسوأ، إلى أن تتقدم حقوق اللبنانيين، على «حقوق الطوائفيين».

لقد طال السبات الوطني اللبناني. هو سبات وليس موتاً. ثمة أمل في هذه العتمة.