الاهمية التي استحوذ عليها لقاء الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه في باريس، والذي تم انكاره علنا من الجهتين من ضمن حرص كل منهما على حلفائه على الارجح، ولضمان بقاء ارتباطاتهما من دون اي تغيير، وذلك قبل ان يتم تأكيد اللقاء على ألسنة نواب مستقبليين، تكمن في انه يستكمل دائرة اللقاءات الايجابية التي عقدت وتعقد بين مختلف الاطراف في الحد الادنى، او ربما تساهم في الانتقال الى التفكير في صيغ خارج العلبة كما يقولون، وفقا لما هو متداول منذ اكثر من سنة ونصف سنة على الشغور الرئاسي. لكن ذلك لم يمنع جموح الخيالات الى تناول اللقاء من زاوية الانتخابات الرئاسية، في سيناريو يكرر ذلك الذي اعتمده العماد ميشال عون قبل اكثر من سنة، يوم التقى الحريري في باريس وسط جملة اسئلة وحساسيات وحملة انكار مماثلة لتلك التي حصلت قبل ايام، لكنها اكتسبت جدية كبيرة. وهذه الاسئلة والحساسيات اثارها اللقاء وعبرت عن نفسها في مواقف لقوى حليفة لفرنجيه، بدت مستفزة، مؤكدة استمرار دعم “حزب الله” ترشيح العماد عون وعدم التخلي عنه، وقد ارفق موقف الحلفاء بالدعوة الى انتخاب الرئيس القوي الذي لديه شعبية، علما انه قد يكون من الصعب انكار هذه الصفات على فرنجيه من الحلفاء او الخصوم. وفي موازاة ذلك، بدت القوى الاخرى ايضا مستفزة باعتبارها لم تكن على بينة ايضا او لم تكن على علم مسبق. الا ان هذه الاهمية تتضاءل بالنسبة الى مراقبين سياسيين، امام عاملين اساسيين وجوهريين، على رغم ان هذه الحركة السياسية تكسر جمودا سياسيا، بل مراوحة في الدائرة المقفلة، بحيث تشهد اندفاعا على وقع كلام الامين العام ل” حزب الله” السيد حسن نصرالله عن تسوية شاملة وترحيب من الرئيس الحريري بهذا الكلام. لعل العاملين الاساسيين ينطلقان بداية من الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران حيث التقى مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي، وما اذا كان يمكن الطرفين الحليفين للنظام السوري الاتفاق على صيغة واحدة لمقاربة الحل في سوريا وامكان انطلاق مؤتمر جنيف 3، باعتبار ان التمايز كبير بين الجانبين الايراني والروسي وقد تكون مسؤولية روسيا بالذات ابلاغ ايران ان بقاء سوريا موحدة يفترض حكما رحيل بشار الاسد لانه من المستحيل ان تتحد سوريا مجددا تحت سيطرته، او ان يقبل السوريون في كل الاراضي السورية بالخضوع لحكمه مجددا، حتى لو كانت ايران وروسيا تحاربان الى جانبه، بل لعل هذا العامل الاخير يشكل سببا مباشرا آخر لعدم القبول بذلك، في حين انه لا يمكن الدفاع عن بقاء بشار الاسد او ان يكون هناك احتمال لذلك ما لم تتقسم سوريا، فيضحي الاسد رئيسا على القسم الذي يستطيع السيطرة عليه مع حلفائه. واستتباعا لذلك، فإن ثمة صعوبة يراها المراقبون السياسيون في امكان ان تظهر بوادر حلول جدية في لبنان ما لم تتضح اتجاهات ايران من جهة، وقبل ان يتبلور الوضع في سوريا من جهة أخرى، وسط تطورات متسارعة في غاية الاهمية بدأت تفرض تحولا في هذا الوضع بناء على تدخل متعدد الطرف والجهة في سوريا، ولاسباب مختلفة. هذه التطورات احدثت بدورها متغيرات في مواقف دول المنطقة من التدخل الروسي، الذي وان يكن في موقع تحالف واحد مع ايران والنظام السوري، فانه في حاجة الى ان يستمر غطاء دول عربية قائما ولو في شكل ملتبس او نسبي. يضاف الى هذه العوامل التي تلجم جزئيا الاندفاعات الى حلحلة في الداخل اللبناني بناء على حركة سياسية نشطت اخيرا، ومن مؤشراتها لقاء الحريري- فرنجيه، ان السعودية وايران لا تزالان في اوج صراعهما، اذ ليس خافيا أن المملكة عازمة على مواجهة التدخل الايراني سياسيا حيث وجد في دول العالم العربي ، الامر الذي لا يترك مجالا كبيرا للمخيلات اللبنانية الخصبة، أقله في المواعيد التي بدأ البعض بتحديدها لحلحلة داخلية، في ضوء المواقف الايجابية التي صدرت اخيرا.
واستحضار العوامل الاقليمية في اطار لقاء يشكل حدثا نتيجة الاصطفافات السياسية في البلد، بامتدادات اقليمية، يكتسب اهميته على قاعدة ان الكلام جديا عن حلول لا يمكن ان يتلاءم الا مع جدية في الحلول للوضع السوري اولا، وما لم يبت مصير الاسد من حيث المبدأ، سيكون صعبا عزل جملة عوامل متصلة بالنظام السوري. وحين يعلن نواب مستقبليون عدم امكان القبول بسليمان فرنجيه مثلا بدلا من ميشال عون للرئاسة باعتباره من ضمن الاصطفاف السياسي لقوى 8 آذار، واكثر، من ضمن العلاقة المباشرة والوثيقة لفرنجيه مع الاسد، ليس رفضا لفرنجيه على الارجح ولكن طمأنة لقواعدهم من استبعاد اي صلة للتأثير السوري سواء كان حقيقيا او لا، فانما يستند ذلك الى الصلة التي لا يمكن تجاهلها، مع ان هذا التأثير تراجع جدا وباتت الكلمة لايران، ليس في لبنان فحسب بل في سوريا ايضا، حيث اصبحت هذه الكلمة لكل من ايران وروسيا ولم يعد النظام يشكل حيثية مؤثرة.
هذه المقاربات تبدو متسرعة في استخلاصاتها. لكن ثمة من يثير اسئلة على قاعدة ما اذا كانت ثمة عناصر جديدة غير محلية حصرا يمكن ان تكون دخلت في الحسابات، بناء على متغيرات المواقف التي عبر عنها بعض الاطراف، او ان هناك مجرد رصد للمياه وفق التعبير الغربي.