اليوم، لا يوجد في دائرة القرار، ومن دون استثناء، من يعارض تسوية خبيثة على قانون الانتخابات تحقق مصالح هذا أو ذاك من الحلفاء أو الأصدقاء. وليس بينهم من يريد القتال، ولمرة واحدة، من أجل قانون يحقق الحد المنطقي من العدالة.
عندما نقول الجميع نعني الجميع، من حزب الله الى حركة “أمل” وتيار “المردة” والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال أرسلان، الى التيار الوطني الحر و”القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل” والنائب وليد جنبلاط وشخصيات تدور في فلك 14 آذار.
المفاوضات لم تصل بعد الى اتفاق متماسك على مشروع القانون التأهيلي، وهو مشروع طائفي، معزّز للمذهبية، ومانع للتغيير، ومخالف للدستور، ولخطاب القسم، ولكل برامج الاحزاب والقوى السياسية المتكلمة من دون توقف عن بناء دولة المواطن والمؤسسات.
مع ذلك، بات واجباً شتم من يريد السير بهذا القانون، والتشهير به، لأنه سير فاضح بمخالفته للدستور. هو قانون غير آبه بالمساواة بين المواطنين وغير مهتم لتغيير حقيقي. وهو قانون يضمن لقوى السلطة، القديمة أو الجديدة، حصتها في هذه السلطة، كما هي قائمة، منذ فرض الاستعمار هذه الصيغة الطائفية الكريهة.
على أن ملاحظات أولية، ضرورية لتبيان أن المقترح هو خطوة قابلة للطعن أمام المجلس الدستوري، حتى ولو مورس بحقه كل أنواع الضغط والتهويل، وهو محل طعن مسبق أمام الناس، بمن فيهم الذين يُراد لهم أن يساقوا كالقطيع غصباً عنهم نحو أصول طائفية بغيضة. وهي ملاحظات تتيح لمن يرغب من الناس التحرك مسبقاً لمنع إقراره ومنها:
أولاً: تظهر لوائح الشطب أن 54 ألف مسلم مسجلون في أقضية جزين (14440) والمتن الشمالي (11725) وكسروان (2311) والبترون (4851) والكورة (10317) وزغرتا (10214) وبشري (142). كذلك تظهر أن نحو 54 ألف مسيحي مسجّلون في أقضية صيدا (3791) وصور (12108) والنبطية (5554) وبنت جبيل (16409) والمنية – الضنية (15921).
هؤلاء المواطنون سيحرمهم القانون المقترح من حقهم الدستوري بالمشاركة في الانتخابات في المرحلة الاولى، بينما يحق لبقية الناخبين المشاركة في مرحلتَي الانتخابات. هل هذا يضمن احترام حقوق جميع المواطنين بصورة متساوية؟ وهل هذا موافق للدستور؟
ثانياً: يفرض الدستور ضمان المساواة بين المواطنين، وسبق للمجلس الدستوري أن أشار الى المساواة المفروضة أصلاً، بالنسبة إلى الأعباء الواجبة على المرشحين للانتخابات النيابية. لكن ما سيحصل مع هذا المقترح البغيض، هو أن مرشحاً سيبذل جهداً يقتصر على كتلة صغيرة ستختار أربعة مؤهلين عن مقعدين، بينما سيضطر مرشح آخر الى توفير مستلزمات إقناع كتلة ناخبة ستختار عشرة مؤهلين عن خمسة مقاعد. وهو الأمر نفسه حيث هناك دوائر بعشرة مقاعد أو أقل أو أكثر.
ثالثاً: القانون المذكور يميّز بين الناس لجهة عدد الناخبين الذين يمثلهم كل نائب، إذ إن نحو 47 ألف ناخب يختارون نائباً واحداً في النبطية، مقابل نحو 20 ألفاً يختارون نائباً واحداً في دائرة بيروت الاولى. فكيف إذا جرت المقارنة بين مختلف الأقضية والدوائر؟
رابعاً: مشروع القانون – الفضيحة يجعل الأغلبيات المسيطرة على الطوائف تستغني عن الأقليات من حولها، وستدفعهم الى الاستسلام لوصايتها، إذ يمكن توقع أن تحالفاً بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية سيسيطر على غالبية ساحقة من المؤهلين الفائزين في دوائر البترون والكورة وزغرتا وبشري وبيروت الاولى والمتن الشمالي وجزين. كذلك هي الحال بالنسبة إلى تحالف أمل وحزب الله في كل الدوائر ذات الغالبية الشيعية، والأمر نفسه ينسحب على تيار المستقبل وحلفائه في الدوائر ذات الغالبية السنية.
خامساً: لا يسمح المشروع السيّئ الذكر بتمثيل الأقليات السياسية أو الطائفية، وهذا ينطبق على معارضي الحريري في صيدا أو البقاع أو الشمال أو بيروت، وعلى خصوم التيار والقوات في الأقضية ذات الأغلبية المسيحية في الشمال وجبل لبنان وبيروت والجنوب، وكذلك على خصوم الثنائي الشيعي.
سادساً: هذا القانون المقيت سيجعل ليس الأقليات فقط، بل حتى قوى كبيرة مثل الحزب التقدمي الاشتراكي، غير ضامنة لمقاعد نيابية إلا من خلال تحالفات تنظّم مسبقاً مع القوى النافذة الأخرى. وهو أمر يعني، ببساطة، أن وليد جنبلاط وحزبه وجمهوره يجب أن يخضعوا لوصاية من بيده “الفيتو” في دوائر الشوف وعاليه والبقاع الغربي ـــــ راشيا، أي إنه، عملياً، سيكون تحت رحمة أي تحالف يقوم بين التيار الوطني والحر والقوات اللبنانية وتيار المستقبل، وهو أمر ممكن، فماذا نكون فعلنا؟ هل نحرر مقاعد مسيحية من وصاية إسلامية، من خلال إخضاع مقاعد مسلمة لوصاية مسيحية؟ هل في هذا عدالة للتمثيل وتحصين للعيش المشترك… ما غيره؟!
سابعاً: القانون الكريه سيفرض على قوى بارزة عابرة للطوائف وللمناطق، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي، الخضوع لمعادلات ابتزازية. فهو يخضع اليوم في مقاعده، سواء في الجنوب أو بعلبك ــــ الهرمل، لوصاية الثنائي الشيعي، وهذا القانون يعني إخضاع أي مقعد محتمل له في بعبدا أو المتن الشمالي أو الكورة أو عكار لوصاية الثنائي المسيحي، أو لوصاية تحالف مسيحي – إسلامي (تيار المستقبل شمالاً). وفي حالة الوصاية هذه، سيكون الحزب غير حرّ حتى في اختيار مرشحيه… ألا يجري، منذ اليوم، تسويق ترشيح الوزير السابق فادي عبود عن أحد المقاعد المارونية في المتن الشمالي كمرشح عن الحزب القومي، رغم أن الرجل يعمل سياسياً تحت وصاية التيار الوطني الحر منذ عام 2005؟
وأخيراً، إذا كانت هذه حال الحزب القومي، وهو الذي يتخذ منذ عام 1990 مساراً يجعله ضمن فريق السلطة الحاكمة في لبنان، فكيف يكون الأمر مع الحزب الشيوعي وجميع المجموعات اليسارية والعلمانية التي بقيت خارج سلطتي 8 و14 آذار، أو مع مجموعات غير طائفية مثل تجمع “بيروت مدينتي” الذي أظهرت الانتخابات البلدية أنه يمثل قوة وازنة، أو حركة ناشطة كـ”مواطنون ومواطنات”، أو حتى شخصيات لها حيثية مستقلة بحدود معينة، ولها حضورها المستند الى كتلة من الناخبين، من آل سكاف وآل فتوش وبطرس حرب وعبد الرحيم مراد وزياد بارود وغيرهم!
هل هذا قانون يحقق عدالة التمثيل، ويسمح لجميع القوى بالتمثل في المجلس النيابي، بمعزل عن حجم هذا التمثيل؟ هل هذا يتوافق مع الدستور؟ هل هذا يطابق ما جاء في خطاب القسم؟