IMLebanon

هل نضجت الظروف الداخلية والاقليمية لخطّة إقتصادية؟

بين لقاء بعبدا التشاوري، وإدراج سلسلة الرتب والرواتب على جدول أعمال مجلس النواب، وإطلاق التيار الوطني الحرّ لخطته الإقتصادية، يظهر جليا أن المسؤولين السياسيين بدأو الإهتمام بالوضع الإقتصادي والإجتماعي اللبناني. لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه إذا ما كانت الظروف قد نضجت لإطلاق ورشة إقتصادية – إجتماعية تسمح للبنان بالنهوض؟

ليس جديدا القول أن الوضع الإقتصادي هو في أسوأ حالاته مع تراجع النشاط الإقتصادي وتدهور المالية العامّة وتفاقم التهديدات الإرهابية من الشرق والجنوب. وعلى الرغم من ذلك أتى لقاء بعبدا التشاوري ليُعطي زخمًا للعمل الحكومي والنيابي من خلال إقراره لبيان يُشكّل إتفاقا بين القوى السياسية المُشاركة في الحكومة على عدّة مبادئ وخطوات، وكلّف مجلس الوزراء القيام بتنفيذها.

وسرعان ما باشر الأفرقاء العمل على مضمون هذا البيان، إذ أن الرئيس برّي حدّد يومي 18 و19 الجاري موعدًا لجلسة للهيئة العامة لمجلس النواب وعلى جدول أعمالها العديد من البنود الإقتصادية، المالية والإجتماعية كسلسلة الرتب والرواتب، والضرائب، والشراكة بين القطاع الخاص والعام وغيرها من البنود المُتعلّقة بالحياة اليومية للمواطن.

وأطلق وزراء التيار الوطني الحرّ خطّة إقتصادية تتضمّن العديد من العناوين الإقتصادية الهامّة وعلى رأسها بنود تقليدية كتنويع الإقتصاد، ودعم الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم ولكن أيضًا إعطاء قطاع الطاقة بُعدًا مركزيًا في الإستراتيجية الإقتصادية الوطنية.

ويتبيّن من هذه الخطوات أن لبنان مُتجّه نحو مرحلة تشريعية وتنظيمية جديدة تطال بالدرجة الأولى الإقتصاد والمواطن الذي يُعاني منذ بدء الأزمة السورية من تردّي أوضاعه المالية والإجتماعية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل المُعطيات الحالية ناضجة كفاية لتحقيق كل توجيهات رئيس الجمهورية الإقتصادية؟

هذا السؤال مشروع خصوصًا أن النوايا وحدها لا تكفي. على سبيل المثال يقبع مشروع قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام في أدراج مجلس الوزراء منذ سنين عديدة، ولا أحد يعرف سبب عدم إرساله إلى مجلس النواب لإقراره. ما الذي تغيّر حتى يتمّ وضعه اليوم على جدول أعمال مجلس النواب؟ وهل الأسباب هي الإتفاق السياسي الداخلي؟

الجواب بنعم على هذا السؤال يُظهر سطحية التحليل. فالمعروف أن الإتفاق السياسي الداخلي هو في مُعظم الحالات إنعكاس لتقاطع إقليمي ودولي للمصالح. وبالتالي قد يكون لإعادة إعمار سوريا دور أساسي في إقرار هذا المشروع.

تنويع الإقتصاد يفرض وجود إستثمارات غابت لسنين عديدة وأصبحت معها الماكينة الإقتصادية مترهلة لا تقوى على الإنتاج. ومن المفروض أن يكون لقانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام دورًا كبيرًا في جذب هذه الإستثمارات، خصوصًا إذا ما تمّ وضع ضوابط للعملية الإدارية للمناقصات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: ما الذي يضمن أن يعمد القطاع الخاص إلى الإستثمار في القطاعات التي يحتاجها الإقتصاد اللبناني؟ بمعنى أخر كيف يُمكن ضمان إستثمارات في عدة قطاعات بهدف تنويع الإقتصاد؟

الجواب بكل بساطة الحافز يكمن في السياسة الضريبية التي ستتبعها الحكومة. هذه السياسة تتعلّق بمسح كامل للقطاعات الإقتصادية كافة ومعرفة مشاكلها نوعًا وكمًا، وهذا الأمر غير جاهز حتى الساعة.

على صعيد الطاقة، نرى أن الكهرباء والنفط والغاز تحتل المركز الأول في إهتمامات الطبقة السياسية والمواطن اللبناني. وإذا كانت الأمور أوضح في مجال الكهرباء، إلا أن الصورة تُصبح أقلّ وضوحًا في مجال النفط والغاز.

في المُطلق، تبقى خطّة الوزير جبران باسيل التي أطلقها في العام 2010، خطّة مقبولة وتُحاكي الحاجة الفعلية للكهرباء. لكن ما هي نسبة ما تمّ إنجازه من هذه الخطّة؟ الجواب هو نسبة ضئيلة لأننا ما زلنا بعيدين عن معامل كهرباء تكفي حاجة لبنان.

على كل الأحوال، ومع إقرار مجلس الوزراء لخطّة إنشاء الكهرباء من الرياح، يبدو أن هناك توجّها لإستكمال خطّة باسيل وهذا أمر واعد إذا ما تمّ العمل بشفافية على هذا الملف.

ملف النفط والغاز له أبعاد إقليمية تتخطّى الحدود اللبنانية لتواجه المطامع الإسرائيلية من جهة، وعدم الجهوزية الداخلية من جهة إخرى.

هذه الأخيرة تعني جهوزية الإقتصاد اللبناني على الدخول إلى عصر النفط وتفادي المرض الهولندي الذي قد يُطيح بالإقتصاد اللبناني برمّته. أمّا إسرائيليًا فما زال ضغط الماكينة العسكرية الإسرائيلية يُلقي بظلاله على الإقتصاد اللبناني وعلى ملف النفط مع وعود يومية بحرب ثالثة على لبنان.

هذه التهديدات لا تسمح بأي شكل من الأشكال بإستثمارات في الإقتصاد اللبناني حتى ولو كانت الظروف الداخلية (إتفاق سياسي وقوانين عصرية…) تسمح بذلك. فكيف يُمكن لأي شركة نفطية أن تقوم بإستثمارات بعشرات ملايين الدولارات في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان، وهي تحت تهديد تدمير المُنشآت النفطية من قبل إسرائيل؟ ألا تحتاج هذه الشركات إلى ضمانات دولية؟

على صعيد أخر ومع تكاثر الحديث عن حسم الوضع الأمني في جرود عرسال، يتلكأ المُستثمرون في الإستثمار في لبنان بإنتظار معرفة ماذا سيحصل على هذه الجبهة وإذا ما كان سيندسّ الإرهابيون بين النازحين السوريين.

أضف إلى ذلك المُشكلة التي يواجهها لبنان جراء ثقل النزوح السوري على بنيته التحتية الخدماتية والعجز المالي الناتج عن ذلك ناهيك عن الضغط على سوق العمل.

كل ما تقدّم يوحي بأن الظروف الداخلية والإقليمية ما زالت غير ناضجة للغوص في عملية نهوض إقتصادي. لكن هذا الأمر لا يعني بتاتًا أنه لا يجب القيام بما تقوم به السلطات حاليًا على صعيد التشريع والتنظيم.

بل على العكس، ما تقوم به السلطات حاليًا سيسمح للبنان بأن يكون جاهزًا عندما تحين الظروف الإقليمية وخصوصًا نهاية الحرب في سوريا والبدء بإعادة إعمارها. وقد يسأل البعض عن تاريخ بدء عملية إعادة الإعمار وهذا حق، لذا يتوجّب تحليل الوقائع بتمعّن لأنها تحمل توقيت اللحظة المنشودة.