IMLebanon

ارحموا العروبة!

تتحدّث ألسنة كثيرة في الآونة الأخيرة مستفظعة هول غضب بعض دول العرب على لبنان، وتستنكر على اللبنانيين أن يكونوا أحراراً في اتخاذ موقف يرونه يخدم لبنان ومصالحه العليا وعلى رأسها الوحدة الوطنية.

أمام هذا التدحرج السياسي الذي لا يستند إلى قواعد منطقية لا في حماية الوطنية ولا العروبة ولا الإجماع العربي الغائب مذ كان للعرب هيكل لم يؤطرهم لسلوك دروب الوحدة، يصبح الوقوف اضطرارياً أمام مسألتين هامتين:

الأولى، نحن أمام نغمة مستجدة حول العروبة والتمترس وراءها، وأخذها رهينة التقوقع والانغلاق واستعمالها مطية، لتحقيق مآرب سياسية لا تنسجم مع مقاصد العروبة الجامعة ومفهومها الإنساني التقدمي الرحب، الذي يرى في العرب أمة واحدة وإن كانت بلاداً متعددة ويرى في السعي إلى نهضتها وقيامها بدورها الحضاري، بين الأمم عبر الترقي والتعلم وإيجاد البنى العلمية والاقتصادية على قاعدة المشاركة الشعبية واستعمال الوسائل الديموقراطية، ومشاركة المواطنين في المسؤولية، وكل ما يلزم لكي تكون الثروات الكبيرة في خدمة الشعوب العربية وتحقيق طموحاتها ورقيها وعيشها الكريم، هذا المفهوم الحقيقي لمن آمنوا بالعروبة وناضلوا طويلاً تحت راياتها وحملوا مفاهيمها، وفي قلبها فلسطين التي لها حديث آخر، فأية عروبة يتشدق بها هؤلاء؟

إن ما يُرفع من شعارات ما هو إلا تشويه واختزال، وتوظيف مخزٍ لقضية حقيقية، إن هؤلاء كانوا وما زالوا، الأعداء الرسميين لكل مرحلة التقدمية العربية (بكل ما عليها من مآخذ) ووقفوا في المقلب الآخر الذي يعادي تطلعات الشعوب العربية، فلماذا العروبة الآن؟

لقد استعمل هؤلاء الإسلام في الفترة الماضية، ووضعوه في وجه العروبة الإنسانية التقدمية، واتهموها بالعداء، وأنتجوا آلياتهم الخاصة في الإسلام، التي تفصل الإسلام عن عروبته، وأجروا عملية قسرية، أنتجت مفاهيم أخرجت حتى الإسلام والمسلمين من إسلامهم لمصلحة مفاهيم نحَوها وتمت رعايتها فأنجبت وبالاً على الأمة أصبح فيها عامة المسلمين أصحاب جاهلية، وكلهم مباح. لقد أنتجت هذه الدول التكفير الواضح وشرّعت دماء المسلمين للقتل، وشوّهت الإسلام بمفاهيمه السامية، وقدمت منتجها التكفيري الذي شكل من «القاعدة» إلى «النصرة» إلى «داعش» وأخواته جزءاً ضئيلاً من هول المشهد الدامي، فهل يريد هؤلاء بعد أن فشلوا في تقديم هذا النموذج الظلامي، أن ينتقلوا إلى ملعب العروبة لتحويلها إلى أداة مقيتة تجهز على كل ما يمت إلى العرب بحضارة وإنسانية؟

المسألة الثانية: لقد بلغ الغي بالبعض أن يحدثك عن إجماع عربي، وهذا الإجماع لا يسلك طريقه بالمنطق والنقاش وضرورات المصالح وما إلى هناك من قواعد معروفة، بل بالفرض والقوة، فمن غير المسموح لك إلا أن تكون مستنسخاً لقراراتهم، لا متطابقاً، لأن التطابق بين طرفين متكافئين، ونحن من خلال ما سمعنا ورأينا، يبدو أننا قد صنفنا ـ حسب اعتقاد هؤلاء ـ من الأتباع الذين يبصمون، وبالتالي فإن الموقف الذي أخذه لبنان يشكل في عرف هؤلاء خروجاً على الطاعة السياسية ومخالفة أولي الأمر، وهذا بحدّ ذاته جريمة تستوجب عقوبات، فهؤلاء ظنّوا لوهلة أننا إمارة تمرّدت ولا بد من رميها بالحُرم.

إن انتظام جماعة حب الحياة والمبشّرين بالديموقراطية وكل المفردات وصولاً إلى الدولة، لم يكن مفاجئاً.. ولا الهرولة والتفجع على العروبة وخرق الإجماع العربي أيضاً، فهم منذ زمن طويل أُعميت بصيرتهم وتحوّلوا إلى ردّاحين!

إن الإجماع العربي بصيغته الراهنة المطلوبة، ما هو إلا مصادرة لحق الشعوب والدول لأن تقول كلمتها، وذلك باستعمال وسائل التهديد والوعيد الذي لا يحمل في طياته أي بُعد عربي بمفهومه الحقيقي.

إن العويل والتهويل والصراخ والهجوم على المقاومة وتقديم أوراق الاعتماد لبعض الدول، لن يُغيّر شيئاً من الواقع.

إن جهد العاجز الذي تقومون به لا يعكس أزمتكم وتخبطكم فحسب، وإنما يعكس الأزمة الحادة لمن تناجون في سركم وعلنكم.

قيادي في «حزب الله»