في قانون العقوبات الأميركي الجديد الذي قيل الكثير حوله، ولم تتضح خطوطه التفصيلية حتى الساعة، هناك مستجدات تدعو الى القلق، لا ترتبط بالقانون المُنتظر، بل في مؤشرات ظهرت حديثاً تحتاج عناية استثنائية في قراءة دلالاتها.
لم تنجح الوفود اللبنانية التي تقاطرت الى الولايات المتحدة الأميركية في زيارات استباقية، في محاولة لقطع الطريق على قانون العقوبات بنسخته الثانية، في العودة بنتائج حاسمة.
قد تكون هناك أكثر من نظرية في تفسير اجواء الادارة الاميركية ومواقفها حيال هذا القانون، وحيال حماية لبنان من اية تداعيات اقتصادية قد يتسبّب بها تطبيق القانون لدى صدوره. لكن القاسم المشترك بين كل النظريات والمواقف التي تحدث عنها كل من عاد من واشنطن، هو وجود حرص أميركي على الاستقرار الاقتصادي والامني في لبنان.
وتمّ البناء على هذا الحرص للاستنتاج بأن الادارة الاميركية، وبصرف النظر عن أهدافها من إصدار قانون جديد لمحاصرة حزب الله مالياً، والتضييق على البيئة المتعاطفة والمتعاونة معه، فانها تعطي الاولوية لمنع الضرر عن لبنان. هذا الانطباع ساهم حتى الآن في تهدئة الخواطر والمخاوف، بعدما كانت تسريبات قد أشارت الى مسودة قانون يمكن ان تطيح الاستقرار في البلد في حال إقرارها وتطبيقها.
اليوم، تبرز مستجدات لم تخرج الى العلن بعد، لكنها مُقلقة في مؤشراتها، لأنها تضرب مقولة ان لبنان يقع تحت المظلة الأميركية، ولا خوف عليه انطلاقا من هذه الحماية.
في المعلومات، ان الادارة الأميركية أنهت مسودة المساعدات الخارجية الى الدول للعام 2018، تمهيدا لرفعها الى الكونغرس للمناقشة والاقرار. واذا كان القاسم المشترك في هذه المسودة هو خفض حجم المساعدات، في اطار خطة الرئيس الاميركي لخفض العجز في الموازنة العامة، فان اللافت ان لبنان تلقى ضربة قاسية تتجاوز في دلالاتها مسألة خفض الانفاق.
في التفاصيل، جرى خفض المساعدات الخارجية بنسبة تصل الى 30 في المئة. لكن الاستثناءات قائمة، ومنها على سبيل المثال المساعدات المخصصة لاسرائيل، والتي ظلت كما هي من دون أي خفض.
تنقسم المساعدات الأميركية الى الدول المصنفة صديقة، الى أبواب عدة، منها المساعدات الاقتصادية، العسكرية، التدريب، مكافحة الارهاب، مكافحة المخدرات ونزع الألغام…
في الاقتراح الذي رفعته الادارة الاميركية الى الكونغرس، يتبين ان لبنان الذي كان يحصل على مساعدات اميركية بقيمة اجمالية تبلغ حوالي 214 مليون دولار، قد جرى خفض هذه المساعدات للعام 2018 الى 103 ملايين دولار، أي ما نسبته حوالي 52 في المئة، وهي نسبة تتجاوز بكثير المعدل المعتمد للخفض.
وعلى سبيل المثال، جرى خفض المساعدات المخصصة للاردن من حوالي مليار و274 مليون دولار، الى مليار دولار للعام 2018. كذلك جرى خفض المساعدات الى مصر من مليار و448 مليون دولار، الى مليار و381 مليون دولار.
وبذلك، يمكن الاستنتاج ان لبنان تلقى معاملة قاسية لا تتماهى والانطباع القائم بأن الادارة الاميركية توليه عناية استثنائية، للحفاظ على استقراره، ومنع انهياره سواء على المستوى الاقتصادي او الأمني.
وقد يكون من المفيد الاشارة الى ان بند المساعدات المتعلق بالعتاد العسكري تراجع بالنسبة الى الاردن من 450 مليون دولار الى 350 مليون دولار، وحافظ على حجمه بالنسبة الى مصر (مليار و300 مليون دولار)، في حين تراجع بالنسبة الى لبنان من 85 مليون دولار الى صفر للعام 2018!
هذه الاقتراحات التي تقدمت بها الادارة الأميركية لا تدعو الى استمرار الارتياح الذي كان سائدا في السنوات الماضية. وبات من المنطقي أن نسأل اذا كان ممكنا الاعتماد على مقولة أن لبنان يتمتّع بحماية أميركية، للقول أن قانون العقوبات المتوقع، لن يتضمّن بنودا يمكن أن تضرب الاقتصاد اللبناني، وقد تؤدي الى انهياره؟