قد يحتاج المرء الى أن يحك رأسه طويلاً ليفهم، كيف حسبتها قيادة حزب الكتائب، لاتخاذ قرار انسحاب وزيريها من الحكومة بتقديم استقالتيهما؟ وقبل ذلك، لا بد من التوقف عند التغيير الذي حدث على مستوى قيادة الحزب، بانتقالها من الجميل المخضرم الذي كان من أبرز رموزه الرئيس أمين الجميل ونضالاته الطويلة والمتشعبة، وانتقالها الى الجيل الشاب ونبضه الحيوي ممثلاً بقيادة الشيخ سامي الجميل، وقد انعكس ذلك ايجاباً ليس فقط على الحزب، وانما أيضاً على الواقع المسيحي وتفعيل نبضه بصفة عامة، وتفاعله مع الفعاليات الأخرى…
***
السببان المعلنان للاستقالتين هما: أولاً، وقف مسيرة الهريان الحكومي والسياسي. وثانياً، احداث صدمة ايجابية قد تحدث تحولاً في المسار… فهل تحقق ذلك؟ أو هل يمكن أن يتحقق في المدى المنظور على الأقل؟ الجواب الواقعي هو: لا، لأن الأزمة اللبنانية بكل تعقيداتها هي أكبر من أن يؤثر في مجراها أحد مكوناتها منفرداً، أياً يكن موقعه ووزنه. وعلى العكس، فما أحدثه فعل الاستقالة كان صدمة سلبية. في الوسط الحكومي أولاً، وفي الوسط السياسي ثانياً، وفي الوسط الشعبي العام الذي يضم الرأي العام الوطني بكل مكوناته، وليس جمهور الكتائب وحده…
***
لسان حال الناس وما يطلبونه من السياسيين، هو ببساطة قولهم: لدينا ما يكفينا من أخطار ومشاكل وأزمات، فإذا كنتم غير قادرين على حلها، فأقله وفروا علينا افتعال أزمات جديدة! والجانب الذي سيراه الناس هو أن هذه الاستقالة ستزيد من تسارع الهريان الحكومي والسياسي، وتطلق سجالاً لا طائل منه، وتفتح ثغرة في جدار الحكومة المليء بالثقوب والثغرات! ومن أغرب المفارقات أن من تطوع للتنظير ضد هذه الاستقالة هو أفشل وزير في الحكومة وزير البيئة محمد المشنوق! وهذا في حد ذاته يحمل على المراجعة والتفكير في احتمال أن تكون الاستقالة غلطة!
***
في جانب آخر، حقق الوزيران قزي وحكيم انجازات في وزارتيهما، وأطلقا نبضاً جديداً في كل من الوزارتين، وكان من الأجدى واقعياً المحافظة على انجاز في اليد، بدلاً من عشرة على الشجرة! وبصورة من الصور، بدت الاستقالة وكأنها عقاب على النجاح، في واقع حكومي يبدو أن قاعدته الذهبية هي مكافأة الفشل! ولا نتحدث هنا عن وزير البيئة وحده!.. ولكن لا بد مما ليس منه بد!