الحكومة لم تنشلّ ولم تَفِل، قياساً على قول الوزير أكرم شهيب، بتنشلّ ولا بتفلّ أي يصيبها الشلل، ولا تذهب…
وقد تجاوزت في جلستها أمس، الشلل الذي كان مقدراً، وأقرت بنداً من اثنين تفجيريين، الجيش في داخل عرسال ومحيطها، اما البند الآخر فمؤجل الى الخميس المقبل من حيث المبدأ، والى منتصف ايلول من حيث الواقع والتفعيل، لأن الجزء المتعلق منه بشغور موقع المدير العام للامن الداخلي قد تم استدراكه بتأخير تسريح اللواء ابراهيم بصبوص، أما الجزء المتصل، أما الجزء المتصل بانتهاء خدمة العماد قهوجي، فمؤجل بطبيعة الحال، الى منتصف ايلول، تاريخ نهاية خدمته الاضافية بالتأكيد.
وزير الخارجية جبران باسيل اعلن تحفظه على البيان الصادر عن مجلس الوزراء بشأن عرسال، وقال نريد قراراً وليس بياناً، وسنرى الاسبوع المقبل اذا طبق.
والراهن ان فريق التيار الوطني الحر يريد قراراً بشأن تعيين قائد للجيش، وما الالحاح على عرسال وعلى وجود التكفيريين في جرودها، الا مدخل للوصول الى قائد الجيش، ومن ثم قيادة الجيش، وتالياً رئاسة الجمهورية.
لكن يبدو ان الاجواء الداخلية والخارجية المؤثرة، ليست في مثل هذا الاتجاه، لا على صعيد القيادة ولا على صعيد الرئاسة، ولقد لاحظ هذا، النائب وليد جنبلاط عندما غرّد نافياً أن يكون يرى في الأفق ملامح انتخاب رئيس، وختم بالقول: يا ساسة، خجل من عبثكم العالم مستعيراً قول الشاعر: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم، مع شيء من التصرف.
ويبدو أن جنبلاط عاتب على الساسة الذين لم يتفهموا مبادرته الأخيرة، التي طرح فيها ما توافق عليه مع الرئيس سعد الحريري، من ترحيب بتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش، شرط أن يسبق هذا التعيين انتخاب رئيس للجمهورية. لكن العماد عون فوت هذه الفرصة، كما كان متوقعاً، لأنه يحب إسواره، لكن ليس بقدر ما يحب يده، بمعنى انه يريد ان يرى صهره الضابط المغوار المحترف قائداً للجيش، ولكن ليس على حساب طموحاته الرئاسية!
وكأن زيارة الدكتور سمير جعجع المفاجئة الى الرابية ساعدت، بدون قصد، في عدم استجابة الفريق العوني للمبادرة الجنبلاطية، من حيث اعتقاد هذا الفريق بأن زيارة رئيس القوات تصب في خانة الجهود الرئاسية لصاحب الرابية، فاذا الجمّال بنيّة، والجمل بنية، وحسب اوساط في اللقاء النيابي الديمقراطي، فان جعجع احاط مضيفه بعناية خاصة، ظهر معها وكأنه المضيف والعماد عون الضيف، وان جعجع ليس في سبيل اصطفاف طائفي، بقدر ما هو بصدد تعزيز أرصدة زعامته المسيحية للمرحلة التالية.
ويبدو أن جنبلاط كان يتوقع توضيحاً، أو تفسيراً ما، عندما تلقى اتصالا من السيدة ستريدا جعجع لطلب موعد زيارة، بدليل تحضيره اعضاء كتلته النيابية، واذا بالنائب القواتي تدعوه لحضور مهرجانات الأرز…
الواقع ان لقاء قطبي الساحة المارونية، خبا بريقه لمجرد استمرار مقاطعة نواب الوطني الحر لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية، رغم الحديث عن تعزيز المؤسسات الدستورية للدولة في ورقة اعلان النيات التي اذيعت من الرابية. صحيح ان الفريقين توافقا على الاتفاق حول ما لا خلاف عليه، وتحييد كل ما يتعذر تبديد الاختلاف حوله، ولكن طالما ان الطرفين، بل كل الاطراف، تعتبر الشغور الرئاسي مرض العصر اللبناني، فأي تفاهم او اتفاق لا يتناوله يسقط في امتحان الدخول الى صف الاهتمام الوطني العام.
وأكثر من هذا توقف كثيرون امام اشارة اعلان النيات الى ضبط الحدود من جانب قوى الشرعية، بينما كل مواقف العماد عون ووزرائه واعضاء كتلته يدعمون طروحات حزب الله العسكرية في عرسال وجرودها اضافة الى الداخل السوري، بحيث تبدو امام صيف وشتاء فوق سطح واحد.
بعض الاوساط الوسطية ترصد حنيناً ما الى لبنان القديم، تحسباً أو استناداً الى ما يعتري المنطقة من تفسخات طائفية واتنية، وبالتالي جغرافية. من مؤشراتها الدالة حرص النظام السوري ومن خلفه الحرس الثوري الايراني وأذرعه المذهبية المتعددة الهويات على اخراج المعارضة السورية المسلحة والمدنية من القلمون السوري وبعض الجيوب العرسالية، لتأمين التواصل السليم مع الساحل السوري عبر البقاع واجزاء من الجنوب، او اقله وضع كماشة ايرانية شرق لبنان وشماله، وبالتالي عزل الشمال والجبل والساحل عن البر العربي…
الاوساط الوسطية، التي رهانها لبنان اولاً وأخيراً، ترى في مثل هذه التصورات اضغاث احلام، لا بل هي ملاذ الخائبين، من المنظرين لتحالف الاقليات، عبر الدويلات الصورية غير القابلة للديمومة والبقاء.
فعندما تتصارع الفيلة يداس النمل…