في مثل هذه الايام عام 2019 وقف قائد الجيش العماد جوزاف عون أمام متحف الرئيس فؤاد شهاب في جونيه، مطلقاً صرخة مدوية، تناول فيها الأزمة التي تعصف بالمؤسسة العسكرية، حيث «أراد البعض تحديد نفقاتها وتوزيع مهماتها»، قاطعاً الطريق أمام كل من يريد التلاعب بـ»التدابير» الخاصة بها.
يومها وقف العماد عون طويلاً أمام تاريخ «الشهابية» على المستوى العسكري قبل الرئاسي، بعد أن شكر الرهبانية المارونية على خطوتها، التي حوّلت منزل رجل المؤسسات متحفاً تاريخياً تنقل سيرته الاجيال.
اليوم يتجرّع الجيش كأس التقشف والحرمان، في زمن استوطن الجوع بيوتنا. ورغم أنّ قيادته نجحت في إرساء نهج «الشهابية»، والتي تقول بوحدة هذه المؤسسة وتعاليها عن كل تباينات أهل السياسة ومصالحهم، الّا أنّ دروس التاريخ تعلّمنا، أنّ اي مستقبل نريده وجب البناء على ماضيه، فكيف اذا كان هذا الماضي متجذراً بالجيش وبطولاته التي لا تنضب؟
«وافق مجلس الوزراء على طلب وزارة الدفاع بيع 5 طائرات من نوع «هوكر هانتر» و3 طوافات «سيكورسكي» بالمزايدة العمومية». خبر طرح إشكاليةً جديدة على الساحة، بين من اعتبره مناهضاً للتاريخ، ورأى أنّ على الدولة حماية ممتلكات الجيش وتحديداً طائرات «الهوكر هانتر»، لما لها من أهمية في تاريخ سلاح الجوّ اللبناني، وبين من أسف لتقصير الدولة اللّبنانية «المتخبّطة» وغير القادرة على إنقاذ حاضرها، بالمحافظة على تاريخ جيشها وتخليده في المتاحف، في حين نرى قوى حزبية تولي أهمية لما قامت به وتخلّده، عبر إنشاء معالم عسكرية سياحية، تُحاكي الأجيال وتضيف نوعاً من «التسويق» لقوتها وإبرازها، وبين من إعتبر أنّ بيعها جاء نظراً للأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يرزح تحتها الجيش اللّبناني.. ولكن ما حقيقة الأمر ولماذا قرر الجيش الإستغناء عن هذه الطائرات اليوم؟
لمحة تاريخية
إستقدم لبنان طائرات «الهوكر هانتر» الإنكليزيّة الصنع بين عامي 1958 و1977، فوصلت هذه الطائرات الى لبنان على دفعات.
وإستخدم سلاح الجوّ اللّبناني هذه الطائرات في عدد كبير من المعارك الداخلية حتّى العام 2001.
في العام 2011 عمل الجيش على تجهيز طائرتي «هوكر هانتر»، وتمكّن من إستخدامهما لفترة وجيزة قبل الاستغناء عن مهماتها، نظراً لكونها أصبحت قديمة الطراز، ولأنّ تكلفة تشغيل تلك الطائرات باتت باهظة، اضافة الى عدم توافر قطع غيار لصيانتها. وتالياً، لم تعد صالحة للمهمات العملانية، وبات إستخدامها ينحصر بالعراضات العسكرية.
لكنّ المعلومات تشير، الى أنّ الجيش يحتفظ حتّى تاريخه بـ 7 طائرات «هوكر هانتر»، لكنّه إختار عرض 5 فقط منها للبيع في المزاد العلني، والإحتفاظ بالطائرتين اللّتين تمكن من تشغيلهما عام 2011، وبذلك يكون مصير هاتين الطائرتين أمام خيارين:
– الأوّل، عرضهما في قاعدة رياق الجويّة، حيث يحتفظ الجيش بكل أنواع الطائرات التي إستخدمها، وذلك في حال لم يتمكّن من صيانتها.
– ثانياً، إعادة تجهيزها لاحقاً مع انفراج الأزمة المالية، وإعادة تشغيلها لتُستخدم في الإستعراضات العسكرية.
وعُلم أنّ الطائرتين اللتين إحتفظ بهما الجيش، واحدة «دوبل سيت» لا يملك سواها، وأخرى «وان سيت» يملك 6 منها، عرض 5 طائرات منها للبيع وأبقى على واحدة لديه.
ولكن، ما هي خلفيات قرار الجيش الاستغناء عن تلك الطائرات، وما هو المردود الذي توفره، وبالتالي، هل للأزمة الإقتصادية الحالية التي «قضمت» من موازنته أي علاقة؟
عملياً، تشير المعلومات، الى انّ هذه العملية بدأت منذ سنتين، ولم تأت نتيجة الضائقة المالية، لأنّ المردود ليس عالياً، إنّما من مبدأ حسن إدارة وإستثمار الأسلحة والقطع المتوافّرة، في أمور يمكن الاستفادة منها في المستقبل.
ومما لا شكّ فيه، أنّ كلفة صيانة هذه الطائرات كبيرة، وأنّ الجيش لم يعد قادراً على تكبّدها، لكنّ قرار بيعها لم ينبع من الأزمة الحالية، إنّما يندرج ضمن ما يُعرف بحسن إدارة واستثمار العتاد والسلاح المتوافّر. فعملياً الطائرات الخمس وقطع الغيار تفقد قيمتها المادية مع تقدّم سنوات تشغيلها، فكلفتها المادية اليوم تختلف عن كلفتها في السنة المقبلة. وبحسب خطّة القوات الجوية، فإنّ عملية البيع أو التبديل اليوم يمكن أن تؤمّن مبلغاً لشراء طائرتين حديثتين، أو في الامكان استبدالها بطائرتي تدريب للطيران الإبتدائي في المزاد، لأنّ القوات الجوية حالياً لا تملك سوى 3 طائرات للتدريب الإبتدائي من نوع «بولدوغ» قديمة الصنع، ومن المتوقّع أن يتمّ اخراجها من الخدمة بعد نحو 3 الى 4 سنوات، وعليه يكون الجيش قد تمكّن من تنفيذ التدريب الإبتدائي لطيّاري الأجنحة الثابتة في لبنان، وتمكن من تأمين استمرارية التدريب الإبتدائي.
وترجّح المعلومات، أن يكون لدى الجيش مستقبلاً خطط لتبديل طائرات أخرى أيضاً، كما هي الحال مع «السيكورسكي» القديمة الصنع، والتي لا وجود لقطع غيار لها في الأسواق المحليّة، مع كلفة تشغيل تتخطّى الـ 5 آلاف و500 دولار في الساعة، ما يولدّ مشكلة عملانية في إستخدامها. وإنطلاقاً من هذا المبدأ يسعى الجيش الى بيعها، على أمل أن يتمكن من إستخدام مردودها لشراء عتاد جديد للجيش أو للدفاع المدني في إطفاء الحرائق.