بعد قطع «نيو تي في» الاتصال الهاتفيّ معه، ووقف العمل في طريق قصره، ومحاصرته خدماتياً على نحو خيالي في ملعبه الخدماتيّ الأبرز، وهجومه على مبدأ التعاقد الوظيفي في الإدارات العامة الذي يمثل حجر الزاوية في سياسة الحريرية الاقتصادية؛ يستحق النائب هادي حبيش بعض الاهتمام و«الحنّيّة»
يوم السبت الماضي، اتخذ المجلس البلدي في القبيات (بلدة النائب هادي حبيش) قراراً يتراجع بموجبه عن قراره المتخذ عام 2011 الذي يسمح لحبيش بشق طريق بعرض 12 متراً وسط غابة خضراء للوصول إلى أرض كان ينوي تشييد قصر عليها. اتخذت وزارة البيئة قراراً بوقف العمل بالطريق ريثما يدرس الأثر البيئي لاقتلاع مئات الأشجار المعمرة، علماً بأن حبيش اتّكل على القرار البلدي السابق ليحصل على مرسوم بشق الطريق من وزارة الأشغال. أما اليوم فيستعد ناشطون بيئيون للطعن في مرسوم «الأشغال»، متذرعين بعودة البلدية عن قرارها، فيما تقف وزارة الزراعة بالمرصاد هي الأخرى.
وعليه، يتوقف العمل بشكل كامل حالياً في المشروع، ويستعد المجلس البلدي لإعادة تشجير المنطقة التي سلخت أشجارها، فيما يجتهد العونيون لإقفال الطريق على محاولة حبيش الالتفاف على القرارات البلدية عبر قرار من وزارة الطاقة بتشييد سدّ في الأرض المجاورة لأرضه. لم يُضِع حبيش بذلك فرصة تشييد القصر (الذي تصله بطريق وتغادره بطريق آخر) فقط، بل أضاع أيضاً مخصصاته في وزارة الأشغال، إذ يقول مطلعون إنه طلب من الوزارة استبدال مخصصاته التي يوزعها على الناخبين عادة بإصدار مرسوم الطريق وشقه، ليستفيد وحده من المخصصات، قبل أن يفقد المرسوم قيمته.
خسر نفوذه في
التربية ومخصّصاته في الأشغال
قصة القصر تسبّب إحراجاً كبيراً للنائب المستقبلي. إلا أن مشكلته الأكبر في مكان آخر: طوال السنوات القليلة الماضية، لم يتأثر بالضائقة المالية الحريرية. وفيما كاد بعض زملائه يعجزون عن ملء خزانات سياراتهم بالوقود، كانت أحوال النائب العكاريّ تتقدّم من حسن الى أحسن. وهو نجا، خدماتياً، بواسطة علاقاته الشخصية وإرث والده في الإدارة العامة، فسيّر أوضاع ناخبيه في «التربية» و»الصحة» و»الأشغال» و»الداخلية» و»الشؤون الاجتماعية». إلا أن إشارة «الأخبار» في حزيران الماضي إلى نفوذه الاستثنائي في الوزارات، بما فيها العونية، نبّه عدداً من الوزراء إلى وجود مرؤوسين لديهم يلبّون على مدار الساعة كل طلباته الانتخابية. وسرعان ما ألغى وزير التربية الياس أبو صعب تكليف مدير التعليم الابتدائي السابق المحسوب على حبيش، مقفلاً بذلك الحنفية الخدماتية الأهم للأخير، في وقت كان فيه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق يكتشف أصدقاء جدداً أقل تطلباً بكثير من حبيش الذي صال وجال وحده إلى جانب الوزير في بداية عهده. أما وزير الصحة وائل أبو فاعور فلا يجيّر خدمات شخصية لأحد أياً كانت علاقته الشخصية به. هكذا لجأ حبيش إلى تسعير حملة مناطقية ضد أبو صعب، ففشل. حملة التحريض المذهبي فشلت أيضاً، وكذلك التحريض السياسي. آثر الذهاب أبعد: خلصت «تحقيقاته» إلى تحديد 850 حالة نقل مخالفة للقانون من مدارس بحاجة إليهم، إلى مدارس لا تحتاج إليهم و»أخرى غير موجودة في الواقع»، وهو ما سيمثل فضيحة كبيرة في حال قدم أمثلة واضحة في مقابلته التلفزيونية الأحد المقبل. أما القضية الأكبر والأهم فهي هجوم حبيش على حجر الزاوية في رؤية فؤاد السنيورة الاقتصادية: التعاقد، الذي يشكو منه خصوم الحريرية الاقتصادية باستمرار. ففي ظل تأكيد أبو صعب عدم توقيعه أي قرار تعاقد، أشار حبيش إلى أن الهدر التربوي ـ في أجور الأساتذة فقط ـ يبلغ 12 مليون دولار سنوياً بفعل التعاقد. ولم يتضح جدياً بعد ما إذا كان هجوم نائب المستقبل على مبدأ التعاقد يستهدف وزيرة التربية السابقة النائبة بهية الحريري أم الرئيس فؤاد السنيورة أم غيرهما؟
في النتيجة، خسر حبيش كثيراً في الأيام القليلة الماضية، لكنه ربح شقيقه: طوال السنوات القليلة الماضية سعى زياد حبيش بتصرفاته وعلاقاته للإيحاء باستقلاله عن شقيقه: يتعشى النائب في معراب، فيما يسهر هو في بنشعي (…)، ويعادي النائب وزير التربية بينما يمضي هو الوقت معه في فاريا. إلا أن زياد يبدو أنه استاء أخيراً من تكرار الإشادة به لذمّ شقيقه، فكتب على صفحته الفايسبوكية «حصرم بعين الكل» فوق صورته حاملاً بندقية، وبجانبه شقيقه الذي لم تظهر يده ليتبيّن إذا ما كان يحمل هو الآخر بندقية أو لا. والصيد، في حال كانت هذه بندقية صيد، ممنوع، مع العلم بأن حرص أبو صعب (غير المبرر) على علاقته بزياد حبيش حال دون إرساله، على الهواء مباشرة، طبلاً ومسبحة، كهديتين للنائب العكاري، مع رسالة واضحة بوجوب إكماله مسيرة الدبكة في احتفالات المبايعة هنا وهناك بدل «فضح فساد الوزراء». اكتفى أبو صعب بإعطاء المقدِّم جورج صليبي، بحياء واضح، كيساً فيه مسبحة ليوصله لحبيش من دون تحديد ماهية «احتياجات حبيش الكثيرة» للمسبحة!