مع اقتحام فيروس كورونا الاراضي اللبنانية، وإعلان التعبئة العامة والحجر المنزلي في مواجهته، أصيب الجسم المستنزف للاقتصاد بشلل شبه كامل، على مستوى معظم مفاصله، ما أدى إلى حصول تداعيات معيشية مؤلمة وبالتالي تفاقم معدلات الفقر. وسعياً الى احتواء «العوارض الاجتماعية» لوباء كورورنا أنجزت وزارة الشؤون الاجتماعية خطّة متكاملة تهدف إلى الاستجابة لاحتياجات الأسَر الأكثر هشاشة وتأثراً بالأزمة الصحية والاقتصادية الطارئة، فما هي تفاصيل تلك الخطة؟
تقدّم الخطة المقترحة من وزارة الشؤون الاجتماعية تصوّراً كاملاً وآلية شاملة لمساعدة العائلات المصنفة أصلاً تحت خط الفقر، وتلك التي ساءت أحوالها بعدما فرض فيروس كورونا على افرادها العاملين، خصوصاً المياومين منهم، الإقامة الجبرية في المنازل.
لكنّ هذه الخطة لم تقر بعد كرزمة متكاملة في مجلس الوزراء، بل يمكن القول انه يجري، حتى الآن، تطبيقها بالمفرّق وعلى القطعة، بينما يتطلب التصدي للتحدي الاجتماعي المفروض اعتماد استراتيجية شاملة تغطي كل الزوايا والتفاصيل.
وتعتبر مصادر رسمية مواكبة لهذا الملف انّ المطلوب توزيع دقيق ومتناغم للادوار بين الجهات الرسمية المعنية بتقديم المساعدات، وكذلك إيجاد مرجعية واحدة تمسك بالدفة وتشرف على الإدارة والتنفيذ، إذ انّ جهات عدة تتولى حالياً جَمع الداتا المتعلقة بالمحتاجين ووضع آليات تطبيقية للمساعدة، حتى ضاعت الطاسة واختلط الحابل بالنابل الى حد كبير، بفِعل كثرة الطباخين.
َوتلفت المصادر إلى انّ الازمة طويلة، وقد تستمر أشهراً، «ولذا يجب أن تتم برمجة التمويل وتنظيمه على قاعدة النفس الطويل، وعدم حرق المراحل واستهلاك الامكانيات في فترة قصيرة من دون التحسّب للاحتمالات المستقبلية».
وتشدد على انّ من شأن إقرار خطة رسمية وواضحة أن يوقِف الاجتهادات في مقاربة هذا الملف الحيوي والانساني، ويسمح بالحصول على دعم من بعض المؤسسات والمنظمات الدولية التي لا يمكن أن تقدّم مساعدة مالية للبنان من دون وجود خطة ترتكز عليها.
وتنشر «الجمهورية» في ما يلي النص الكامل للخطة التي أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية:
اولاً: الخلفية والاهداف
يكاد اللبنانيون أن ييأسوا من الحالة الاقتصادية والمعيشية التي تتخبّط فيها البلاد منذ اواسط التسعينات (…) ومؤخراً، جاءت أزمة تفشّي فيروس كورونا لتقضي على ما كان مؤملاً أن يساهم في تحسين الاوضاع الاقتصادية والانمائية.
في ظل هذا الوضع المتردي، يأتي دور مؤسسات الدولة ولا سيما وزارة الشؤون الاجتماعية في ادارة الاستجابة للأزمة وتوفير المتابعة والمساندة للأسَر الأكثر هشاشة وتضرراً (…)
وقد يشكل التحدي الاكبر ليس تأمين المساعدات بشتى انواعها، سواء اكانت مالية او عينية او خدمات صحية او اجتماعية او غيرها فحسب، وإنما تحديد من هم بحاجة الى المساعدة والدعم من فئات المجتمع بأقل هامش من الخطأ، وفي وضع آلية اجرائية لضمان النزاهة والانصاف والشمول وتفادي الهدر في عملية توزيع المساعدات (بحيث لا تستفيد الاسرة ذاتها من اكثر من مساعدة خلال مدة زمنية معينة من اكثر من جهة او مصدر).
بناء عليه، تهدف خطة الاستجابة السريعة هذه الى تقديم منهجية العمل لإدارة الازمة واستهداف الأسر الاكثر حاجة وتضرراً، وتحديد المساعدات والخدمات المطلوب تقديمها للأسَر المذكورة بالاولوية، وتوزيعها للأسر المذكورة خلال فترة ثلاثة اشهر قابلة للتمديد وفقاً للحاجة.
ثانياً: منهجية العمل
1- قواعد الاستجابة للأزمة:
أ – إعمال مبادئ التكاملية والتعاضد والمشاركة في الاستجابة والتنسيق لإدارة الأزمة (…)
ب – إعمال مبدأي التكافل والتضامن بين مختلف القطاعات والمقيمين على الاراضي اللبنانية، والهيئات المانحة (…)
ج – الاعتماد على نهج اللامركزية (…)
د – إعمال مبدأ الفعالية في تحديد الأسَر المستهدفة في الخطة بأكثر الآليات مرونة وسرعة (…)
هـ – إعمال مبادئ الحياد وعدم التمييز (…)
و – إنشاء قاعدة بيانات واحدة للأسر الفقيرة وبنك موحد للمساعدات المالية والعينية (اذا أمكن).
ز – الاعتماد على التشاركية والتطوعية (افراد او مؤسسات).
ح – مراعاة مبادئ حفظ السلامة، لجهة التأكيد على وجوب تفادي المقابلات في المنازل، والتجمعات على اختلافها، واحترام اجراءات الوقاية في النقل والانتقال والاتصالات والتواصل.
2- الأسَر المستهدفة:
سوف يتم توزيع المساعدات والخدمات على الأسَر الفقيرة، وتلك التي تضررت نتيجة الازمة الاقتصادية التي تفاقمت منذ النصف الثاني من عام 2019، وتداعيات تفشي وباء كورونا، ويمكن تصنيفها على الوجه التالي:
اولاً – أسَر ليس من الضرورة التحقق من حاجتها للدعم في المرحلة الاولى، وهي:
أ – الأسر المصنفة، من خلال مشروع استهداف الأسر الاكثر فقراً، بأنها من الأسر في وضع فقر مُدقع وتحمل بطاقة «حياة»، باستثناء الأسر التي تستفيد من البطاقة الغذائية (الاسر من حملة بطاقة «حياة» يبلغ عددها حاليّاً 28000 أسرة يضاف اليها 15000 أسرة من حملة بطاقة «حياة» والبطاقة الغذائية).
ب – أسر الاطفال والمسنين وذوي الحاجات الخاصة وغيرهم ممّن يبيتون في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، خصوصاً المتعاقدة منها مع وزارة الشؤون الاجتماعية (يتجاوز عددهم 25000 طفل ومُسنّ وشخص من ذوي الاعاقة /الحاجات الخاصة).
ت – أسر الذين يطبّقون إجراءات العزل او الحجر بناء على طلب من وزارة الصحة العامة.
ث – أسر مصابي الالغام (ما يقارب 4300 اسرة).
ج – اسر سائقي السيارات والباصات العمومية.
ح – الاسر التي تقدمت بطلب لدى مشروع استهداف الاسر الاكثر فقراً للاستفادة من خدمات المشروع، والتي أجريت لها زيارات منزلية وتم تعبئة استمارة تقييم لقياس مستوى فقرها وتبيّن انها تقع تحت خط الفقر الاعلى.
ثانياً – أسر يقتضي التحقق من حاجتها للمساعدة:
أ – أسر صيادي الاسماك المسجلين لدى وزارة الزراعة اللبنانية.
ب – أسر السجينات والسجناء.
ت- أسر العاملين الذين تم تسريحهم من عملهم (…)
ث – الأسر التي تقدمت بطلب لدى مشروع استهداف الاسر الاكثر فقراً للاستفادة من المشروع، ولم يتم إجراء زيارات منزلية لها حتى هذا التاريخ (لا يتجاوز عددها 100000 اسرة).
ج – كل اسرة تطلب مساعدة او خدمة، شرط التحقق من أنها من الاسر المحتاجة.
لا بد من الاشارة انّ عدد الاسر المذكورة أعلاه، باستثناء أسر العمال والاجراء الذين تم تسريحهم، يقارب 200,000 أسرة، مع التأكيد على انه يفضّل إعطاء الاولوية للاسر التي يكون عدد الاطفال فيها دون سن الثامنة (طفولة مبكرة)، طفلين او اكثر، والأسر التي يزيد عدد أفرادها على خمسة وكبار السن المستقلّين بإقامتهم.
3- ادارة الازمة:
هيئة ادارة الازمة: تنشأ في رئاسة مجلس الوزراء هيئة ادارة الازمة تتألف من رئاسة مجلس الوزراء، وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الداخلية والبلديات، وزارة العمل – الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وزارة المالية، وزارة الزراعة، وزارة الاقتصاد والتجارة، وزارة الصحة العامة، الهيئة العليا للاغاثة، وممثل عن اتحادات ومجالس الجمعيات التي تعنى برعاية الاطفال والمسنين وذوي الاعاقة، الاتحاد العمالي العام، وممثل عن النقابات المعنية وارباب العمل (…).
4- آلية التنفيذ:
أ – تحديد الأسر المحتاجة:
على الوزارات المعنية والتي تتوافر لديها بيانات اسماء وعناوين وارقام وهواتف حول «الاسر المستهدفة» التي ليس من الضرورة التحقق من حاجتها للدعم، ان تزوّد الهيئة بكافة المعلومات المتعلقة بها وفقاً لنموذج يحدد لهذه الغاية، على ان يتم توزيع جداول تلك الاسر على فرق العمل المحلية ليُصار الى تأمين الخدمات والمساعدات لها فور المباشرة بالتنفيذ (…)
– أسر يقتضي التحقق من انها بحاجة للمساعدة:
يمكن للأسرة التي ترى حاجة لمساعدتها ان ترسل على ارقام الهواتف المحددة لهذه الغاية في كل قضاء، وفي كل دائرة انتخابية من دوائر محافظة بيروت، رسالة نصية يحدد مضمونها مسبقاً (…) ليُصار الى الاتصال بالاسرة مرسلة الرسالة (…)
5- توزيع المساعدات والخدمات
على الأسر المحتاجة:
مع الأخذ بعين الاعتبار في عملية توزيع المساعدات والخدمات بالاولوية الأسر التي يزيد عدد الاطفال فيها دون سن الثامنة عن اثنين على الاقل، وتلك التي يزيد عدد افرادها عن الخمسة، وتلك التي تتألف من مسنّين مستقلين في الاقامة. تكلف القوى الامنية بقيادة الجيش اللبناني توزيع المساعدات، مع الالتزام بكافة إجراءات السلامة والحماية من كورونا المحددة من قبل وزارة الصحة العامة.
وفي إطار تفعيل نظام الحماية الاجتماعية وشبكات الامان الاجتماعي، ستقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بتكثيف وتفعيل الخدمات الاجتماعية المرتبطة بحماية الاسرة والطفولة لمواجهة المشكلات الاجتماعية المستجدة.
يراقب تنفيذ كافة الاجراءات المذكورة أعلاه فريق المراقبة، ويرفع الاقتراحات المناسبة لتقويم وضمان حسن سير الخطة الى رئيس مجلس الوزراء.
6- تأمين المساعدات المالية والعينية والخدماتية:
على الحكومة رصد المبلغ المناسب وفقاً لعدد الأسر المقرر مساعدتها، على ألا تتعدى الكلفة المقدّرة للحصة الغذائية الشهرية لشخصين مع بعض مواد التنظيف والتعقيم المئة وعشرين الف ليرة لبنانية، كما التواصل بشكل مكثف مع الجهات المانحة من سفارات ووكالات الامم المتحدة المعنية، وجمعيات دولية… والطلب اليها تأمين:
أ – مواد ومستلزمات الوقاية من مخاطر العدوى.
ب – مساعدات غذائية ومالية للأسر (…).
ثالثاً – الخلاصة
إنّ هذه الخطة ضامنة للنتائج التالية:
– الحد من انتشار فيروس كورونا وتخفيض الفاتورة الصحية (…)
– التخفيف من آثار الفقر وسوء التغذية (…)
– توفير قاعدة بيانات وطنية عن الاسر المحتاجة التي قد يتجاوز عددها الاربعماية الف أسرة، مع الاشارة الى انّ مئتي الف اسرة على الاقل لا تحتاج في ظل الظروف الطارئة والازمة الى تدقيق بمدى حاجتها.
– التكافل والتضامن بين مختلف مكونات المجتمع.
– تعزيز ثقافة التطوع في لبنان.
– المساهمة في الحد من المخالفات والانحراف والتفكك والجرائم التي قد تتولد عن العوز والفقر.
– تعزيز ثقة المجتمع الدولي بالدولة اللبنانية، الأمر الذي يدفعه والمنظمات الحكومية الاجنبية الى تقديم شتى أنواع الدعم والمساعدة للدولة، او على الاقل إعادة ترتيب الاولويات في برامج الحماية الاجتماعية الممولة من الخارج.