IMLebanon

هو المجرم وهو الجريمة

هذا المقال ليس تكريماً للجريمة عموماً، أو دفاعاً عنها، ولا يبتغي امتداح الشرّ. إنه فقط مقال في تقريظ الشعرية التي تُخوِّف لأن لا حدود لقدراتها الناهبة.
لماذا تُخوِّفنا الشعرية؟ لأنها الخرق الوحيد الذي لا يقع تحت طائلة القانون. ولأن المخوِّف الذي هو الشاعر لا يتورّع عن تكرار الخرق/ الجريمة، ودائماً في الأماكن والأوقات غير المتوقعة.
عن أيّ خرق وجريمة أتكلم؟ بالطبع أنا لا أتكلم عن السرقات المادية ولا على جرائم القتل ولا أيضاً على الاغتصاب. أتكلم فقط على ما يعادل هذه الجرائم شعرياً. أتكلم على السرقات الجميلة التي تتعرض لها اللغة على يد الشاعر، وبكلماته ورؤاه. وحده الشاعر يرتكب ويظلّ طليقاً. لهذا السبب هو يُخوِّف.
لا القانون يضع له حداً. لا السلطات. لا العراء. لا القمع. لا الزنازين. لا الغابات. لا البحار. لا المتاهات. لا الكوابيس. ولا أيضاً قدرات اللغة نفسها. لهذه الأسباب يُخوّفنا الشاعر. فهو يدخل، من طريق الشعر، الى المناطق التي قد لا يكون في مقدور شيء أو أحد، الدخول اليها. يملك الكلمات. والخيال. والحلم. والصور. والرؤى. إنه الملك المالك. وإنه السارق الحرّ. والغنيّ الأغنى. لأنه يملك أكثر مما يملكه أيّ ملك، وأكثر مما يمكن أن يصل اليه أيّ شخص غنيّ في الواقع وفي الخرافة. وهو المجرم الحرّ الذي لا يقع جرمه في قبضة العدالة. يكسر الخزائن. يفتح أبواب الجماجم. يتجوّل في الأماكن المستحيلة. يضعها تحت الضوء. يعرّيها. يفلع الليل. والعتمة. يذوّب الشموس والأقمار والكواكب. ثمّ لا شيء. ثمّ كلّ شيء. ينهب. ويبدّد. ليجلس بعد أن ينتهي من عمله، غير منتبه، أو غير عابئ بما يفعل. بل يذهب الى النوم، مكملاً في الليل طيرانه السارق، وقد يغسل يديه في النهار التالي، ليكمل طريقه باحثاً عن الأفكار والصور والامكنة الأخرى المستحيلة ليروّضها ويسرقها ويتركها على قارعة الكلمات.
الشعر موجود أمامنا، على مقربة، في متناول الأيدي والروح والعقل والقلب، وعلى مرمى النظرات، لكن المهم أن نراه، أن نكتشفه، أن نشعر بوجوده، وأن ننتشله من الإهمال الذي يقيم فيه. الشعر موجود في القلب، في الوجدان، في العينين، في العقل، وفي اللغة.
لا يحتاج الشعر الى تنقيب ليتجلى، ولا يحتاج الى ارتكاب جريمة ليُخوِّف. بل هو يُخوِّفنا، أكثر ما يُخوِّفنا، عندما يقودنا الى حيث لا أحد يستطيع أن يوقفه عند حافة.
هو المجرم، وهو الجريمة.