لا جديد في الموقف الأخير لدولة الرئيس نبيه بري الذي تناول نقطتين متلازمتين. فالنقطة الأولى هي تحميله الرئيس سعد الحريري مسؤولية تأخير التشكيل، والثانية هي توقه الى المعارضة.
عشيّة جلسة الإنتخاب الرئاسية قال الرئيس بري، وفق ما نقلت عنه غير وسيلة إعلامية في حينه: «أنا ما عندي مشكلة مع الجنرال، مشكلتي مع سعد الحريري»… أما توقه الى المعارضة فعبّر عنه مراراً وتكراراً.
وفي قراءة سريعة لهاتين النقطتين البارزتين يمكن التوقف عند إستنتاجات عدة منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً – في الموقف من الرئيس سعد الحريري.
كيف تكون مشكلة بري مع الحريري؟ إنّ رئيس المجلس لا يريد العماد عون في سدة الرئاسة. لماذا؟ لأسباب عديدة أبرزها ما بات معروفاً جداً عن الكيمياء المفقودة بين الرجلين.
ومنها رواسب الإنتخابات النيابية، وبالذات في منطقة جزين.
ومنها أن الرئيس نبيه بري اعتاد على نمط من الرؤساء، عايشهم في العقود الماضية يختلفون كلياً عن فخامة الرئيس العماد ميشال عون (…) ولا ضرورة لمزيد من الشرح في هذه النقطة.
ومنها أنّ «الرئيس القوي» (في المفهوم المتداول أخيراً) ليس مما يستسيغه بري.
ومنها أن لدى الرئيس بري مرشحاً أساساً (وزير سابق بارز له حيثيته وقبوله الكبير) ومرشحاً بديلاً. وإنه دعم ترشيح الوزير سليمان فرنجية وساءه عدم وصول رئيس تيار المردة الى قصر بعبدا.
… ولما كان دعم الرئيس سعد الحريري لترشح العماد عون (متوافقاً مع دعم حزب اللّه الثابت ومن ثم دعم الدكتور سمير جعجع الثابت ايضاً)، أدى الى إعطاء زخم كبير لمعركة عون الإنتخابية، فمسؤولية الحريري «كبيرة» في هذا المجال، لأنه بدعمه زعيم التيار الوطني الحر وفّر له التغطية التي لم يعد ممكناً التنكر لها، بحيث أصبح الجنرال مدعوماً من الأطياف الوطنية كافة. علماً أنه كان يصر على التأييد السني قبل أن يعلن ترشحه رسمياً.
ثانياً – في اشتياق الرئيس بري الى المعارضة.
هنا يطرح السؤال ذاته: هل ان رئيس المجلس النيابي مشتاق فعلاً الى المعارضة؟ أو أنّ هذا الشوق هو من «عدة الشغل» السياسية لتسهيل الحصول على المطالب؟
واستطراداً: هل ان الرئيس بري الذي هو ركن اساس من أركان الدولة في الموالاة، بل في صلب «السلطة» (بمفاهيمها كافة) لا يزال «قادراً» على المعارضة، أو هل هو ما يزال يستسيغها؟!.
ذلك هو السؤال.
وفي التقدير، وبمنطوق التطورات والتجارب منذ أواسط التسعينات حتى اليوم، يتعذر الجزم بجواب على السؤال أعلاه. فقط يبدو أن رئيس المجلس مستاء من عدم اشراكه في المفاوضات التي سبقت قرار الرئيس الحريري المعلن بدعم الجنرال. وهو لم يعتد أن يكون من يتلقى المعلومات ولا يصنعها أو لا يُسهم في صناعتها.
وعليه فإنّ الرئيس بري، مدعوماً من حزب اللّه وسماحة السيد حسن نصراللّه شخصياً، يدرك جيداً، وقبل أي مسؤول آخر، أن إنتخاب الجنرال عون رئيساً بات حقيقة لبنانية واقليمية ودولية كبرى، وان معارضة العهد وحكومته ليست، أو لن تكون على قدر كبير من الفاعلية. ودولته سيكون ركناً ركيناً في المعادلة الجديدة القائمة في العهد العوني.