لم يعد ينتظر الداخل اللبناني أن يخرج أي إجتماع لسفراء الدول الخمس المعنية بلبنان، بحلّ سريع للإستحقاق الرئاسي، رغم أنّه غالباً ما يكون “الطبق الرئيسي” على طاولة محادثاتهم. وما اجتماعهم الأخير الذي عُقد بعد ظهر يوم الثلاثاء المنصرم في قصر الصنوبر، إلّا ليصبّ في هذا الإطار، لولا حصول أمرين، على ما تقول مصادر سياسية مطّلعة، قد يُنذران بتبدّل ما في المشهد:
– الأول: قرار سفراء “الخماسية” بإعادة تحريك الملف الرئاسي مجدّداً بعد اجتماعه مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، من خلال اللقاءات التي سوف يعقدونها الأسبوع المقبل، سوياً أو بشكل آحادي أو ثنائي مع مختلف القوى السياسية، علّ مواقف بعضها يكون قد تغيّر خلال فترة الشغور الرئاسي التي طالت، وبعد 7 تشرين الأول والحرب على غزّة وعلى جنوب لبنان، حول ضرورة تسريع انتخاب رئيس الجمهورية.
– الثاني: الموقف المستجدّ للرئيس ميشال عون الذي انتقد فيه فتح حزب الله جبهة الجنوب للإسناد قائلاً: “إنّنا لسنا مرتبطين بمعاهدة دفاع مع غزّة”، والذي يتوافق مع موقف رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل حول ما صرّح به أخيراً عن “أنّنا لسنا مع وحدة الساحات، وتحديداً ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزّة”، وكذلك “رفض استخدام لبنان كمنصة هجمات على فلسطين المحتلة”.
وأشارت المصادر الى أنّ مثل هذا الكلام لا يقطع “شعرة معاوية” التي لا تزال قائمة بين حزب الله و”التيّار الوطني الحرّ” الموقّعين على “ورقة التفاهم” في 6 شباط من العام 2006 ، والتي أجمع الطرفان على أنّها باءت تحتاج لإعادة دراسة، غير أنّه قد يفكّ المسار الرئاسي غير الملتحم بينهما أساساً، وبشكل نهائي هذه المرّة. ويتزامن هذا الموقف مع الحَراك المنتظر لسفراء “الخماسية” الأسبوع المقبل، والذي يُمكن أن يترافق مع عودة الموفد الفرنسي الرئاسي جان إيف لودريان الى لبنان، قبل شهر رمضان الذي يبدأ في 10 آذار المقبل. علماً بأنّ البعض يقول بأنّ زيارة لودريان قد لا تحصل إن لم يكن سيحمل جديداً على صعيد حلّ الأزمة الرئاسية.
كذلك فإنّ اصداء إجتماع السفراء الخمس في قصر الصنوبر، قد وصلت الى مسامع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر سفيره في لبنان هيرفيه ماغرو، على ما شدّدت المصادر، لا سيما حول اعتراض السفيرة الأميركية ليزا جونسون والسفير القطري الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني خلاله على حركة لودريان. فقد قالت جونسون إنّه “لا يُمثّل الخماسية، وليس مكلّفاً من قبلها، بل هو يخرب عمل اللجنة”. وهذا الإمتعاض من تحرّك الممثل الرئاسي الفرنسي، لا بدّ وأن تتمّ مناقشته مع المسؤولين اللبنانيين، كون زياراته غالباً ما كانت تصبّ في إطار حمل مقترحات أو توصيات اللجنة الخماسية لهم.
وهذا يعني، وفق المصادر نفسها، أنّ دول “الخماسية” لا تزال غير متفقة في ما بينها على ما تريده من الإستحقاق الرئاسي في لبنان، أو من رئيس الجمهورية المقبل. وهي وإن كانت تتفق على ضرورة تسريع انتخاب الرئيس، نظراً للحاجة الى وجوده على رأس الدولة في المرحلة المقبلة التي قد تشهد مفاوضات وتسويات لإنهاء حرب غزّة، إلّا أنّها لا تزال غير متوافقة على إسم هذا الرئيس، ولا على برنامجه خلال سنوات عهده.
كذلك فإنّ عدم موافقة الولايات المتحدة الأميركية عبر سفيرتها في لبنان، على أن يكون لودريان موفد الرئيس الفرنسي ممثلاً للجنة “الخماسية”، يدلّ أيضاً الى جانب الخلافات الداخلية ضمن اللجنة، على ما أكّدت المصادر، على أنّ السفراء سيقترحون استبدال لودريان بممثل جديد عن “الخماسية” يتكلّم باسمها، قد يكون قطرياً. وتقوم الدول الخمس بتكليفه لاحقاً بمهمة نقل المقترحات والأفكار الى المسؤولين اللبنانيين.
وبالعودة الى موقف “التيّار الوطني الحرّ” من الإستحقاق الرئاسي، أوضحت المصادر أنّه كان في الأساس متقاطعاً مع قوى المعارضة على إسم مرشّحها الوزير السابق جهاد أزعور. وما أعلنه كلّ من الرئيس عون والنائب باسيل أخيراً، يزيد من الإنشقاق بينهما وبين حزب الله، رغم ما قاله باسيل عن أنّه “تلقينا بإيجابية الكلام الأخير للسيد حسن نصرالله، ونصدّق أنه لا يسعى إلى تحويل أي ربح في الخارج الى ربح في الداخل، وتغيير موازينه أو معادلاته”، وكذلك كلامه الإيجابي عن عدم ربط الرئاسة بأي تطور خارجي، وتحديداً الحرب الدائرة في الجنوب.
غير أنّه من الواضح أنّه بإمكان حزب الله ، إستثمار أي نجاح يُحقّقه ضدّ العدو، على ما أكّدت المصادر، خصوصاً وأنّه يدفع الثمن غالياً، إن من دماء عناصره الذين يستشهدون يومياً، أو من حياة المدنيين القاطنين في القرى والبلدات الجنوبية، ورفضوا مغادرة منازلهم لسبب أو لآخر.
ولكن، بحسب رأي المصادر عينها، فإنّ بعض دول “الخماسية” قد يستخدم هذا الخيط الرفيع الذي لا يزال يربط العلاقة بين الحزبين، لقطعه بين الطرفين، من خلال ربّما طرح أسماء مرشّحين جُدد قد يُوافق باسيل على أحدهم، الى جانب قوى المعارضة، في حال كان إسم أزعور قد تراجع قليلاً في الفترة الأخيرة. علماً بأنّ باسيل شدّد في كلامه الأخير أيضاً على أنّ “لا أحد من الداخل أو الخارج يفرض علينا رئيسا لا يمثلنا”. وهذا يعني أنّ هناك إمكانية للتوافق على إسم مرشّح ما، وليس فرضه. مع الإشارة الى أنّ “الخماسية” غير قادرة حتى الساعة على فرض إسم الرئيس، إلّا في حال حصول أمر طارىء ما يستدعي انتخاب الرئيس كيفما كان، في أسرع وقت ممكن.
من هنا، ترى المصادر السياسية بأنّ ما أعلنه السفراء في بيانهم المقتضب بعد اجتماعهم الأخير عن أنّه يهدف الى “إعادة التأكيد على عزمهم على تسهيل ودعم انتخاب رئيس الجمهورية”، لا بدّ وأن يُترجم خلال تحرّكهم المرتقب من خلال الإعلان عن”آلية عملية” تؤدّي في نهاية الأمر الى انتخاب الرئيس قريباً، وعدم الإكتفاء بخارطة طريق صعبة التحقّق. وإلاّ فإنّ تحرّكهم ولقاءاتهم المنتظرة لن يأتيا بنتائج إيجابية، ولن يكونا أفضل من الحركة التي قام بها لودريان في لبنان والخارج خلال الفترة الماضية.