خلال إطلالته الأخيرة، أطلق الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، سلسلة مواقف تتعلق بالملف الرئاسي من بينها «انفتاحه» على المسار السياسي الإيجابي الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري باتجاه «الرابية». وفي محاولة منه، رمى الكرة في ملعب غيره خصوصاً بعدما راجت معلومات تحدثت عن عدم جديّة الحزب بوصول النائب ميشال عون إلى الرئاسة، قال نصرالله «جربونا»، ثم مضى إلى تبريره الثاني «عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان».
في دعوة نصرالله الأولى، «جربونا»، فللبنانيين تاريخ طويل من التجارب المريرة مع «حزب الله» وتاريخ من نكث الوعود والتهرّب من العهود. تجارب لا تبدأ بالسابع من أيار ولا بالمرور بتعطيل البلد ومؤسساته والإنقلاب على الحكومات، ولا بالتفرّد بقراري الحرب والسلم أو بتسهيل تأليف الحكومات اللبنانية وفقاً لبياناتها الوزارية على أن يكون أهم بنودها، تشريع سلاحه، ولا بالإنقلاب على طاولات الحوار والاتفاقات الثنائية أو الجماعية. تجارب لا تنتهي فصولها في المشاركة بقتل الشعب السوري والاستقواء عليه من الحدود البريّة وصولاً إلى مناطقه الداخلية ولا بتخوين أبناء البلد ووضعهم في خانة العملاء أحياناً والمتآمرين ضد «المقاومة»، أحياناً أخرى.
نكوث «حزب الله» بوعوده، يتظهّر من خلال الواقع الذي نعيشه اليوم في لبنان، فيتبيّن أن «لعبة» الفراغ الرئاسي، تستهوي «حزب الله» إلى أقصى الحدود، لدرجة أنه مستعد لأن يناور في هذا الملف لفترة عشرة أعوام وليس لعامين وخمسة أشهر أي مدة الفراغ حتّى اليوم. فبالأمس وقبل إطلالة الرئيس سعد الحريري من «بيت الوسط» والتي أعلن خلالها ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وما سبقها من تأكيدات تفيد بأنه ذاهب في هذا الاتجاه رغم تأكيده بأن ما قام به يُعتبر «مخاطرة»، خرجت كتلة «الوفاء للمقاومة» بكلام لا يُمكن وضعه إلّا في خانة التهرّب من الوعود، وذلك بقولها «لاحظنا مؤخراً مؤشرات إيجابية مرحَّباً بها يمكن أن تنهي أزمة الشُغورِ في مَوقعِ الرِئاسة».
هذا أقصى ما استنتجه أو وصل اليه «حزب الله» من تأييد الحريري لعون، مع العلم أن الحريري لا ينتظر من الحزب كلمة شكر ولا حتّى مديحاً أو ثناءً على موقفه التاريخي هذا، بل إن ما أعلنه يندرج في إطار نهج واضح وعقلية لا تؤمن إلّا بالشراكة الوطنية والعيش المشترك والاستقرار الوطني ولو على حساب المصلحة الشخصيّة أو مصلحة الجمهور والشارع، مع العلم أن للحزب وقادته، صولات وجولات في تقليب الرأي العام على الحريري واتهامه مع عدد من الدول، البعيدة منها والقريبة، بتعطيل الاستحقاق الرئاسي والتسويات السياسية. والسؤال الأبرز اليوم: هل سيُنهي «حزب الله» الفراغ الرئاسي بعد ترشيح الحريري لعون، أم أنه سوف يذهب إلى خيار آخر أو «لعبة» أخرى كان عبّر عنها نصرالله في خطابه الأخير عندما دعا حليفه عون إلى «التفاهم مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والنائب سليمان فرنجية» من أجل فتح الطريق نحو بعبدا. وهنا يُستعاد أيضاً، مواقف كثيرة لنصرالله وقادة حزبه، كانوا أكدوا خلالها أن «من أراد أن ينتخب رئيساً للجمهورية، ليس له إلا اتجاه واحد يوصل إلى العماد ميشال عون».
ترشيح الحريري لعون، أظهر الحق وأزهق الباطل، ووضع الجميع وتحديداً «حزب الله»، أمام حقيقة واحدة مفادها «فعلت ما يجب فعله في مثل هذه الظروف وأكثر». هي حقيقة لا يُمكن للحزب أن يُترجمها، إلا بملاقاة الحريري صاحب سياسة «اليد الممدودة» منذ استشهاد والده، لكن، من خياره الأول والأخير هو الفراغ ومن لم يؤمن يوماً لا بالدولة ولا بمؤسّساتها، من الطبيعي ان يلجأ إلى تعطيل الاستحقاق بأي طريقة من الطرق حتّى ولو تطلّب الأمر، النزول إلى الشارع والذهاب إلى 7 أيّار جديد، لكن قبل اللجوء إلى هذا الخيار، قد يذهب الحزب إلى «تكتيك» سياسي يقوم على تعطيل أو تأجيل، جلسات الانتخاب تحت ذريعة عدم وجود توافق بين حلفائه. ويبقى الأخطر هو ما ألمحت اليه صحيفة لبنانية تدور في فلك الحزب عن سيناريو يقوم على تفجير أمني ما في البلد على الرغم من نفي وزير الداخلية نهاد المشنوق لهذا الاحتمال. تقول الصحيفة «لا يمكن الجزم بحصول الاستحقاق الرئاسي مع التسريبات والخشية من حدث أمني قد يعطل الاستحقاق عبر تحركات على الأرض تنتج منها أحداث دموية أو عملية اغتيال تؤثر في الاستقرار اللبناني برمته».
في مقارنة بسيطة بين موقفين، يُمكن استنتاج الآتي: الحريري ومن خلال إعلانه ترشيح عون للرئاسة، أجهض محاولات «حزب الله» للذهاب إلى «مؤتمر تأسيسي»، وأخرج «لعبة» التهديد بالشارع من التداول، وهو حمى بذلك أبناء طائفته واللبنانيين جميعاً من أي انزلاق في المجهول، وهو الذي أكد نواياه هذه بسؤال: هل نستسلم للفراغ أم نبادر؟. أمّا في الموقف الآخر المتعلّق بنوايا «حزب الله»، فقد خرج بالأمس كلام على لسان حليف الحزب النائب سليم كرم المحسوب على تيّار «المردة» حيث قال «إن حزب الله ليس متحمساً للاستحقاق الرئاسي». وبهذا تعود الكرة إلى ملعب الحزب ثانية الذي سيحاول أمينه العام غداً، البحث عن تبريرات وحجج، للتهرّب من الاستحقاق الذي وضعه أمام خيار واحد لا مفرّ منه إلا بطريق واحد لا يسلكه سوى «حزب الله».