IMLebanon

قال “لا” وطنيّة لأكثر من دولة… ولم يَخَف

لم أعرف الراحل فؤاد بطرس يوم بدأ حياته السياسية إذ كنت حديث السن. لكن رغم ذلك تابعت حركته في زمن صعب كانت الأهداف المطلوب تحقيقها خلاله بالغة الأهمية، وهي إنهاء الانقسام الطائفي، إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، معالجة ذيول أول محاولة انقلابية عسكريّة فاشلة في لبنان وبناء مؤسسات الدولة وتعزيز الديموقراطية.

أما معرفتي به فبدأت في أثناء ولاية الرئيس الراحل الياس سركيس التي كان دوره فيها كبيراً، إذ كنت بدأت عملي الصحافي الميداني مندوباً لـ”النهار” في قصر بعبدا. لكن البداية لم تكن مشجّعة لأنني كنت أوجّه إليه أحياناً انتقادات منها أنه “سوبر وزير” أزعج بصفته هذه زملاء له في الحكومة. لكن صديقاً مشتركاً شرح لي في جلسة جدّية مبرّرات تصرّفه الذي لم يكن يستهدف رئيس الحكومة بل وزراء فيها، وخصوصاً بعدما استمالت سوريا الفاعلة فريقاً لبنانيّاً اتَّهم بطرس وسركيس بالميل إلى الفريق اللبناني الذي خاض معه حرباً ضروساً. ولا يمكن هنا إغفال دور منظمة التحرير الفلسطينية في تحريض فريق على آخر داخل السلطة وخارجها، وهدف الإثنين كان واحداً السيطرة على الدولة، والتناقض بينهما كان إصرار كل منهما على الانفراد فيها. ومنذ ذلك التاريخ تعلّمت ضرورة التدقيق في كل معلومة وفي دوافع إعطائها لي، وذلك لمعرفة إذا كانت صحيحة أو مُجتزأة ترمي إلى النيل من نهج أو سياسة أو شخصية أو جهة أو دولة.

ولاحقاً، عندما بدأت العلاقة المهنيّة مع الوزير بطرس تتحوّل صداقة استمرّت نيّفاً وثلاثة عقود اكتشفت، وخصوصاً عندما بدأ يحضّر لإصدار مذكراته، أن من فتح عيني عليه كان محقّاً، وأن أهدافه وطنيّة لا فئويّة أو طائفيّة، وأن الرئيس سركيس شاطره إيّاها ودعم عمله لتحقيقها.

في اختصار، لم أكن أنوي الكتابة عن بطرس لمناسبة رحيله، فمحبّوه ومقدّروه أنصفوه في مقالات كثيرة. ولعلّ أهمّهم وأصدقهم كان مطران بيروت للروم الارثوذكس الياس عودة. فضلاً عن أنني لا أعرف رثاء من أُحبّ ولا أعرف المدح حتى لمن يستحقه. لكن بعدما “نبشت” أوراقي وقعت على “خطاب” يصف فؤاد بطرس من خلال مذكراته التي أصدرها قبل سنوات قليلة، كنت أُلقيته يوم سلّمته السيدة الأولى السابقة منى الهراوي جائزة الرئيس الهراوي تقديراً لمواقفه الوطنيّة. فرأيت ضرورة نشر قليل ممّا ورد فيه اعتقد أن اللبنانيّين يحتاجون الى معرفته اليوم.

1 – سأل بطرس صديقه الياس سركيس بعد انتخابه رئيساً: “هل قدّمت التزامات إلى سوريا في مقابل “انتخابك؟”. أجابه: “أقسم بحياة أمّي أنّني لم أقدّم شيئاً من ذلك”.

2 – اشتكى الرئيس السوري الأسد الأب أمام الرئيس سركيس من تشدّد بطرس في اجتماع تمهيدي قبل اجتماعهما. فأجاب الأخير بعد استفسار سركيس: “فخامة الرئيس رأيت أن ما طُلب يتنافى ومصلحة لبنان. أنت من موقعك تستطيع أن تقبله، لكن إن فعلت أستقيل انسجاماً مع نفسي”.

3 – لم يلِنْ فؤاد بطرس رغم اقتناعه بخطورة أزمة لبنان بعد الذي سمعه من أمين عام جامعة الدول العربية محمود رياض والرئيس المصري أنور السادات ووزير خارجيته اسماعيل فهمي. قال الأول: “المقاومة الفلسطينية لا تستطيع أن تتنفّس إلاّ في لبنان. لذلك لا يمكن أن نحدّ تحرّكها”. وقال الثاني: “فاتحني حافظ الأسد بالكونفيديرالية بين سوريا ولبنان والأردن والفلسطينيين وبرغبته في تحقيقها”. وقال الثالث: “أن العمل جار لخلق أجواء مؤاتية لذلك عند المواطنين والأحزاب السياسية”.

4 – لم يقبل فؤاد بطرس “تسليم السعودية بدور سوريا في لبنان وباشارتها إلى أن الأخيرة لا تريد أجهزة أمنية لبنانية مناوئة لها”.

5 – ردّ فؤاد بطرس على قول وزير خارجية الكويت وأميرها حالياً، “نحن لا نقبل هزيمة جيش الجولان في لبنان”، بتحميله ودولته مسؤولية عدم تطبيق اتفاق القاهرة.

6 – رفض الياس سركيس طلب نظيره حافظ الأسد إبعاد بطرس عن الخارجية.

في النهاية يكفي بطرس فخراً أنه لم يزحف مثل غيره ليبقى في العمل السياسي بعد دوره في عهود شهاب وحلو وسركيس. والمؤسف أن الذين خلفوا هؤلاء لم يشعروا بالحاجة الى عقله وحكمته، أو أن الأوصياء على لبنان لم يقبلوا ذلك. وأنه رفض تأسيس عائلة سياسية، ولم “يُخرِج” ابنه الوحيد من “دراسته” لإدخاله السياسة وللتمتّع بمكاسبها المتنوّعة.