Site icon IMLebanon

بعيداً من السُباب والاتهامات… قصة ترشيح فيرا خوري لمنصب مدير عام اليونسكو

 

تجهد الوسائل الإعلامية اللبنانية ومواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عن أيّ لبناني أو «لبنانية» بالتحديد، أو مَن هم من أصول لبنانية، استطاعوا تحقيق شهرة عالمية، حتى ولو لم يزوروا لبنان مرة واحدة. المهم، «الشهرة». من زوجة لاعب كرة قدم عالمي، إلى زوجة ممثل، إلى مغنية… إلخ. إلّا أنّ امرأة لبنانية تشغل منصباً ديبلوماسياً رفيعاً وتتمتّع بمزايا علمية ومهنية مشرّفة مثل فيرا خوري تُحارَب وتُنتقد! شكلٌ من أشكال مرض «الإزدواجية» في لبنان.

ما إن أعلن وزير الثقافة اللبناني الأسبق الدكتور غسان سلامة ترشيحه الى منصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، حتى تذكّر البعض أنّ هناك منظمة تُدعى «يونسكو».

وكما العادة تسابقوا لإظهار وطنيّتهم عبر دعم وصول سلامة إلى هذا المنصب، شانّين الهجوم على مرشحة الدولة اللبنانية الرسمية فيرا خوري، من دون تكبّد عناء معرفة مَن هي هذه السيدة، وإعطائها فرصة التعبير عن نفسها ومشروعها.

مَن هي فيرا خوري؟

بعض منتقدي ترشيح خوري اعتبر أنها غير مؤهّلة لتولّي المنصب، وأنّ الحكومة أخطأت بتبنّي ترشيحها عوضاً عن ترشيح سلامة! ولكن هل فعلاً أنه بين سلامة وخوري اختارت الحكومة الأخيرة؟ وإن حصل ذلك (ولم يحصل) فأين المشكلة؟

لإيضاح الصورة فلنأخذ عيّنة صغيرة من «السيرة الذاتية» للسيدة فيرا خوري المليئة بالإنجازات، ونترك للقرّاء مهمة «تقويمها»!

فيرا خوري سيدة لبنانية تعيش في باريس، متزوجة من محامٍ فرنسي من أمٍّ لبنانية. تولّت خلال 20 عاماً مناصب ديبلوماسية عدة في اليونسكو.

درست العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، ومن ثمّ سافرت إلى الولايات المتحدة الاميركية واكملت دراستها في جامعة نيويورك.

بعد إنهائها دراستها في نيويورك عادت إلى لبنان وكانت ترغب بالدخول إلى السلك الديبلوماسي اللبناني، إلّا أنّ الحرب كانت ترخي بثقلها وتبعاتها على الأرض اللبنانية ما حال دون إجراء امتحانات دخول إلى السلك الديبلوماسي لسنوات عديدة، فسافرت إلى باريس وسكنت هناك وبدأت تبحث عن عمل، فعلمت بأنّ مندوبيّة «سانت لوسي» تبحث عن شخص لاستلام منصب في البعثة في اليونسكو، فقدمت ترشيحها وقُبِلت في هذه الوظيفة.

منذ 20 عاماً تعمل فيرا خوري في اليونسكو، وخاضت خلال هذه السنوات معارك انتخابية عدة، فكانت عضواً في المجلس التنفيذي لدورتين أي لمدة 8 سنوات، وترأست لجاناً من أجل إصلاح المنظمة. وفي الوقت عينه كانت تشغل منصباً ديبلوماسياً في المجلس الدائم في الفرنكوفونية.

وخلال تولّي الرئيس السنغالي عبدو ضيوف منصب رئيس المنظمة الدولية للفرنكوفونية شكّل لجنة من أجل إصلاح المنظمة واختار السيدة فيرا خوري لترؤسها. وفي الوقت الحاضر هي عضو ضمن لجنة شكلتها منظمة الأمم المتحدة في نيويورك من 14 شخصية، لتقديم توصيات من أجل إصلاح جهاز منظمة الأمم المتحدة بأكمله.

اختيرت خوري إلى جانب 13 شخصية من بينها رئيسة سابقة، رئيس وزراء سابق، وزير ألماني سابق، وغيرهم. فإن رأت منظمة الأمم المتحدة أنَّ خوري لديها الكفاءة لتقدّم توصيات حول جهاز الأمم المتحدة ككلّ، ألن تكون مؤهّلة لتكون مديرة اليونسكو التي هي واحدة من 34 منظمة تشكل جهاز الأمم المتحدة؟!

إليكم الحقيقة

إنهالت الاتهامات على خوري بتلقي دعم مالي من رجل أعمال أو أنها مدفوعة من جهة خارجية ما أو محسوبة على طرف سياسي في لبنان. ولإيضاح كلّ هذه النقاط أجرت «الجمهورية» مقابلة خاصة مع السيدة فيرا خوري، التي أتت إلى لبنان لتوضح كلّ الحقائق في شأن ترشيحها بعد الحملة الإعلامية الشعواء التي طاولتها.

تعلن خوري: «كنت أتحرّك منذ سنوات وآتي إلى لبنان للبحث في ترشحي وكان يصدر خبر عن زياراتي في الصحف، فترشيحي حصل بشفافية مُطلقة، وكلّ ما قمت به أنني احترمت الدولة اللبنانية ومؤسساتها واتّبعت عملية الترشيح وفق الأصول عبر الاتصال بالمسؤولين الذين يتخذون قرار تبنّي ترشيحي وهم وزيرا الثقافة والخارجية ورئيس الحكومة». وتلفت إلى أنها «ارتأت أن تُعلِم المعنيين بترشيحها أولاً، ومن ثمّ تبدأ حملتها الإعلامية من لبنان تحديداً وتعرّف عن نفسها عبر مختلف الوسائل الإعلامية».

وتتابع: «قدّمت ملف ترشيحي في صيف 2014، ومن ثمّ اتصلوا بي وطلبوا مني معلومات إضافية وسألوا عن حظوظي وعلى ماذا أعتمد. وقدّمت لهم كلّ ما طلبوه».

وتشير إلى «أنهم أخذوا الوقت الكافي ليقرّروا، وبعد 18 شهراً أُعلمت بأنهم وافقوا على تقديمي كمرشحة لبنان الرسمية لمنصب مدير عام اليونسكو، بعد موافقة وتوقيع رئيس الحكومة على الترشيح في 10 آذار الماضي».

وقبل تبنّي ترشيح خوري تمّ الطلب من السفير اللبناني في اليونسكو أن يتواصل مع عدد من ممثلي الدول الخارجية لمعرفة ردة فعلهم عند طرح اسم خوري، وكان الرد إيجابياً جداً ما حمّس الجميع لتبنّي اسمها. وبعد توقيع رئيس الحكومة تعمّم ترشيح الدولة اللبنانية الرسمي لفيرا خوري على 195 بلداً عضواً في اليونسكو، عبر سفارات هذه الدول.

وتقول: «حظوظنا أكيدة ومدروسة وليست عشوائية، فلو لم أكن متأكدة من أنّ حظوظنا جدّية لما فكرت في خوض هذه المعركة». وتجدر الإشارة إلى أنّ في دورتي 2009 و2013 طلبت دول عدة من خوري أن تترشّح باسمها، لكنها رفضت لسببين، الأول أنها لا تريد أن تترشح إلّا باسم وطنها لبنان، والثاني لأنه وفق معطياتها الديبلوماسية كانت تنتظر الوقت الذي تكون فيه حظوظ وصول مَن يمثل لبنان إلى هذا المركز عالية.

«إبنة اليونسكو»

تعمل خوري في اليونسكو منذ 20 عاماً وتعرف كلّ شيء عن هذه المنظمة وعن الدول الأعضاء فيها. كما سبق وخاضت معارك انتخابية عدة في اليونسكو، وكلّ المراكز التي تبوّأتها كانت بعد انتخابات وليس من خلال التعيين، ما «يجعلني واثقة من الفوز».

لا شروط للترشح إلى منصب مدير عام اليونسكو، إلّا أنه ومنذ العام 1952 كان المديرون العامون من ضمن الموظفين الدبلوماسيين في اليونسكو، لأنّ هناك منحى لدى الدول الأعضاء باختيار شخص من داخل المنظمة يعرفونه جيّداً، ما يعزّز حظوظ خوري، إذ إنها «ابنة اليونسكو».

وفي نيسان 2017، على جميع المرشحين تقديم برنامجهم ورؤيتهم للمجلس التنفيذي المخوّل بتحديد موعد الانتخاب الذي يحصل عادة في شهر أيلول. وحسب قانون الانتخابات يحتاج كلّ مرشّح إلى دعم دولة تتبنّى ترشيحه، وكلّ دولة يحق لها تقديم مرشح واحد فقط. وفرنسا هي الدولة الوحيدة من الدول الأعضاء التي تتحفّظ عادةً عن تبنّي ترشيح أيّ شخص لأنها البلد المضيف لليونسكو.

أما انتخاب المدير العام فيتمّ على الشكل الآتي: يقوم المجلس التنفيذي الذي يتألّف من 58 عضواً بالتصويت ويختار مرشحاً واحداً من المرشحين، ومن ثمّ يرسل الإسم إلى المؤتمر العام الذي يوافق على هذا المرشح أو يرفضه. ولم يحدث سابقاً أن تمّ رفض الاسم إذ إنّ المجلس التنفيذي هو مجلس مصغّر عن المؤتمر العام.

بين خوري وسلامة

وعن القول إنّ الحكومة اللبنانية تبنّت ترشيحها هي عوضاً عن سلامة، تستغرب خوري كيف أنّ «الجميع ظنّوا أن ّالحكومة اختارت بيني وبينه، على رغم أنه لم يقدّم ملف ترشيحه الى المعنيين لغاية اليوم، ولم يكن موجوداً أمامهم إلّا ملفي أنا فقط».

وعن اعتبار البعض أنّ سلامة هو الأحق بهذا المنصب نظراً لتولّيه حقيبة وزارة الثقافة في لبنان سابقاً ومناصب ديبلوماسية دولية رفيعة، تؤكّد خوري: «لا يمكن أن نقلّل من قيمة الدكتور غسان سلامة أو أن نشكّك في كفاءته، ولكن لا يمكن اعتبار أنّ شخصاً مؤهلاً أكثر من آخر فقط لأنه معروف أو مشهور أكثر».

وبالنسبة الى وقوف رجل الأعمال جيلبير شاغوري، وراء ترشيحها، توضح خوري: «السفير جيلبير شاغوري هو رئيس بعثة «سان لوسي» في اليونسكو وأنا نائبة رئيس البعثة، وعلاقتي به هي علاقة عمل. وعندما قرّرت التقدم لمنصب مديرة اليونسكو، أبلغته باتخاذي قرار تقديم استقالتي، وهو كان يفضّل أن أكمل عملي في البعثة إلّا أنه تمنّى لي التوفيق».

وتقول بأسى: «لقد تحوّل ترشيحي إلى قصة تصفية حسابات»، مؤكّدةً «لم يدفعني أحد أو يموّلني أحد، ولست مع أيّ فريق سياسي في لبنان. أنا مع لبنان بأجمعه».

سحب الترشيح؟!

وهل من الممكن أن تتحدّى أيّ دولة لبنان وتتبنّى ترشيح سلامة في وجه مرشح الدولة اللبنانية الرسمي؟ تقول خوري: «ستكون سابقة، إذ لم يحصل سابقاً أن تبنّت إحدى الدول مرشحاً من جنسية دولة قدّمت ترشيح شخص آخر من مواطنيها».

الحكومة اللبنانية تبنّت ترشيح خوري وعمّمته على دول العالم قبل إعلان سلامة ترشيحه الى المنصب، أما عن إمكانية سحب الحكومة ترشيحها وتبنّي ترشيح سلامة، فترى خوري أنّ «هذا الأمر يُعتبر مهزلة، إذ إنّ للبنان مصداقية عالمياً».

وتقول متأسفة أنّ «كلّ ما يحصل لن يفيد لبنان بل سيؤذيه»، متمنّيةً أن «نتوحّد جميعاً حول ترشيحي الرسمي ليربح لبنان».

ألا تستحقّ الدولة اللبنانية الغارقة في الفساد والنفايات بأشكالها المتنوّعة، والتي تسير من دون رأس أن تحقّق إنجازاً عالمياً «طعمه» أكثر نفعاً من صحن الحمص أو التبولة؟ وكيف إن كان سيتمثّل لبنان من خلال امرأة وصلت بكفاءتها وليس لأنها زوجة فلان، أو ابنة علتان؟! خصوصاً أنّ من أهداف اليونسكو تعزيز التنوّع الثقافي والحوار بين الثقافات، ما يتماهى مع «رسالة» لبنان.

فأين الجمعيات النسائية والمدنية من دعم فيرا خوري، «الامرأة» اللبنانية؟!