IMLebanon

رئاسة الحكومة.. البند الضمني للحوار

«حزب الله» يحمي ظهره.. و«المستقبل» يحصّن بيئته

رئاسة الحكومة.. البند الضمني للحوار

لم يعد حوار تيار «المستقبل» و «حزب الله» شكلياً. ومن راهن عليه لوضع البلد على سكة الاستقرار السياسي لم يخطئ. صحيح أن جدول أعماله محدود ولا يطال جوهر الخلاف بين الطرفين، لكن ذلك لم يقلل من أهمية الجلوس الى طاولة واحدة بعد قطيعة تمتد منذ بداية العام 2011، حين استقال وزراء المعارضة اعتراضاً على عدم إدراج بند شهود الزور على جدول أعمال الحكومة الحريرية، ومروراً بصدور القرار الاتهامي الذي أنهى مرحلة رئاسة سعد الحريري للحكومة.

أربع سنوات كانت ثقيلة على البلد. ارتفع خلالها سقف التوتر المذهبي إلى حدود غير مسبوقة. جُرّد الرئيس نجيب ميقاتي من سنيّته، بعد ان وافق على ترؤس حكومة «القمصان السود». وعاش اللبنانيون فترة قاسية من النزاعات السياسية والعسكرية، ليفاقمها دخول اللبنانيين على خط الصراع السوري.

غابت معادلة «س. س»، فيما لم تستطع معادلة النأي النفس إبعاد شبح الحرب عن طرابلس ولا شبح التفجيرات الانتحارية في أكثر من منطقة، لاسيما في الضاحية الجنوبية.

ظل «حزب الله» بعيداً عن «المستقبل» والعكس. «المحكمة» أكملت طريقها والتدخل العسكري في سوريا صار أمراً واقعاً. استقالة ميقاتي نفّست بعض الاحتقان، لكنها لم تكن كافية لعودة الحريري نهائياً من منفاه الطوعي. الوضع الإقليمي والمحلي المعقّد أبقاه خارج الحكم. ومع تسمية الرئيس تمام سلام عادت «14 آذار» إلى السلطة. لكن «المستقبل» ظل مكسور الجناح في غياب رئيسه عن «موقعه الطبيعي».

أدرك الحريري أن عودته لم تنضج سياسياً، لكن ذلك لم يمنعه من التخلي عن «فيتو» الجلوس مع «حزب الله» على طاولة حكومية واحدة، كما تراجع الحزب عن «الفيتو» على أي حكومة لا تضمن له «الثلث المعطل».

دخل الجانبان إلى حكومة واحدة لكنهما ظلا متباعدين، وظل الحوار السياسي بينهما مقطوعاً. مرت الأشهر ثقيلة واشتد خطر الجماعات التكفيرية على الداخل اللبناني. معركة عرسال كانت علامة فارقة. شعر «المستقبل» للمرة الأولى أن الرمال بدأت تتحرك من تحته. مع الوقت، بدا جلياً أن الاستنفار المذهبي لا يؤدي غايته بشد العصب، كما ظن بعض «المستقبليين»، بل على العكس يساهم في تعزيز بيئة التطرف. هذا يعني، بالتالي، أن المهادنة يمكن أن توقف النزف، كما يمكن للخطاب الهادئ أن يقطع «الأوكسيجين» عن «المتطرفين».

«حزب الله» هو الآخر متضرر من الخطاب المذهبي، الذي يحاصره من الخلف، فيما هو يركز على جبهة الحدود الشرقية وفي الداخل السوري. حماية ظهره لا تتم إلا من خلال جبهة سياسية هادئة. وهذا الهدوء لا أحد يمكن أن يؤمنه سوى «المستقبل».

هل هذا يكفي ليقوم الحوار؟ نظرياً، فإن أهمية الحوار تكمن في طرح القضايا الخلافية على الطاولة. الاستراتيجية الدفاعية والتورط في الصراع السوري من أبرزها. هذه من النوع الذي أبعده الرئيس نبيه بري بالتوافق مع الطرفين عن جدول الأعمال. حسبها «المستقبل» جيداً. عرف أن زمن التسويات الكبرى لم يحن. وأن النقاش في جنس الملائكة لن يفيد في الوقت الذي ينشر شياطين التنظيمات التكفيرية إرهابهم في الأرض.

وفي زمن التحولات السورية، لم يكن مستغرباً ترحيب السعودية، عبر سفيرها في لبنان علي عواض عسيري، مرات عدة بالحوار قبل عقده وبعده. وهو ما اعتبر إشارة تشجيع للبدء بحوار الحد الأدنى، الذي يؤسس لأرضية متينة لحوار أكثر فاعلية قد يجري عاجلاً أو آجلاً بين الرياض وطهران. وعليه، اقتصر جدول الأعمال على أربع نقاط: تنفيس الاحتقان المذهبي، رئاسة الجمهورية، قانون الانتخاب وتفعيل عمل الحكومة والمؤسسات.

وإذا كانت كل هذه العناوين مترابطة، فإن الفراغ في رئاسة الجمهورية، تحديداً، لا يؤثر سلباً على الحصة المسيحية في الدولة، فحسب، بل يهدد بنية النظام وصلاحيات رئيس الحكومة، وصولاً ربما إلى تعريض «اتفاق الطائف» للخطر، وهذا خط أحمر بالنسبة للسعودية.

ترتيب بنود جدول الأعمال قد لا يكون دقيقاً، كما أن التوقيت ليس له أهمية، بالمقارنة مع النتائج الممكنة. لم يكن أحد يتوقع التأثير الإيجابي الذي أحدثته إزالة الأعلام والشعارات الحزبية. أعطى ذلك دفعاً للمتحاورين للسير قدماً في حوارهم بالهدوء نفسه والانضباط نفسه. لا عملية شبعا يمكن أن تؤثر عليه، كما أمل البعض، ولا محاولة تمرير بند «سرايا المقاومة» يمكن أن ينسف ما بدأه الطرفان، فهذه الأخيرة وظيفتها محددة وواضحة منذ النشأة الأولى قبل نحو عقدين من الزمن (1997)، ومن يخل بهذه المهمة يفترض أن يحاسب بحسب القوانين، ومن دون الحاجة إلى توافق أو حوار.

منذ البداية، أيقن «المستقبليون» أن تخفيف التوتر المذهبي يحصّن موقعهم في السلطة، وكل مقيم في «السرايا» هو في موقع الوكيل، حتى يعود الأصيل. يؤول ذلك للاستنتاج أن رئاسة الحكومة، مستقبلا، هي البند الضمني للحوار. فقد أثبتت التجربة أن موضوع رئاسة الحكومة لا يمكن الوصول إليه بين ليلة وضحاها، والأهم أنه لن يأتي بـ «الباراشوت»، إنما يحتاج إلى مثابرة وعمل والى تحضير الأرضية، وإحدى أبرز الأدوات، هي حوار عين التينة.