أثارت الاجتماعات والمشاورات بين أركان الفريق الحاكم حول شخصية رئيس الحكومة المقبل، موجة من الغليان في الشارع السنّي، بسبب الملابسات المحيطة بالنقاشات الدائرة حول ترشيح عدد من الأسماء السنيّة المغمورة لتولي رئاسة الحكومة العديدة، مقابل الأحاديث عن فيتوات تتركز ضد شخصيات سياسية مرموقة، وذلك على خلفية الخلافات المستحكمة بين بعض أطراف السلطة وتلك القيادات، على نحو ما هو حاصل حالياً بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر.
وتعتبر أوساط سنيّة معنية أن استبعاد قيادات الطائفة السياسية والروحية عن دائرة البحث عن الشخصية المناسبة لتولي الرئاسة الثالثة في الدولة، هو استهداف جديد لمكانة هذا المكوّن الوطني في المعادلة السياسية، بقدر ما هو، في الوقت نفسه، استمرار لأساليب استضعاف موقع رئاسة الحكومة، وجعله تحت هيمنة القوى السياسية التي تختار الرئيس، وتكرار تجربة رئيس الحكومة المستقيل.
ورغم أن الدستور أناط بالاستشارات النيابية الملزمة مسؤولية ترشيح رؤساء الحكومات، إلا أن ما جرى في السنوات الأخيرة من ممارسات مخالفة لأحكام الدستور، نصاً وروحاً، أوجد أعرافاً تحرص المكونات الأخرى على الحفاظ علي مفاعيلها بشكل فاقع. العماد ميشال عون كان أول من طرح شعار «القوي في طائفته»، وخاض الانتخابات الرئاسية أكثر من مرة على خلفية هذه الطروحات، وتم تعطيل الانتخابات الرئاسية مرتين، وتعريض الدولة للشلل سعياً لوصول «الأقوى في طائفته»، تجاوزاً لإرادة الأكثرية النيابية التي كانت بيد قوى ١٤ آذار.
وكذلك عندما حاول بعض أطراف أكثرية ١٤ آذار، إثر انتخابات ٢٠٠٥، طرح مرشح جديد لرئاسة مجلس النواب، رفع الثنائي الشيعي البطاقة الحمراء، وتمسّك بترشيح الرئيس نبيه بري، فكان له ما أراد.
فلماذا تجاوز هذه القاعدة عندما يتعلق الأمر برئاسة الحكومة؟
تُجيب الأوساط السنيّة المعنية، بأن مثل هذه التصرفات البعيدة عن روح الالتزام الوطني، والتي تعتمد القاعدة الشاذة المعروفة «صيف وشتاء على سطح واحد»، تُسيء إلى العهد وفريقه الحزبي والسياسي، قبل غيره، لأنه يضع مكونا وطنيا أساسيا بمواجهة السلطة الحالية، ويؤجج حالة الغليان، ويؤدي إلى مزيد من التوترات في الوضع الداخلي، ويُعطل أية عملية إصلاحية مرتقبة، هذا إذا كان ثمة نية جدية لإطلاق مسار الإصلاح ومكافحة الفساد.
وترى هذه الأوساط أن الرئيس سعد الحريري هو المرشح الأول للرئاسة الثالثة، لأنه الأكثر تمثيلاً للطائفة السنيّة، ويتمتع بدعم المرجعية الروحية، وبتأييد قوى وأطراف عديدة في الطائفة.
أما في حال لم يرغب هو شخصياً في تولي المسؤولية في هذه الفترة، لاعتبارات مختلفة، لا مجال للخوض في تفاصيلها هنا، فيمكن أن يرشح الشخصية المناسبة، على غرار ما حصل مع الرئيس فؤاد السنيورة أكثر من مرة، وهو ما حصل مع الرئيس تمام سلام في أواخر عهد الرئيس ميشال سليمان.
وإذا أحجم الرئيس الحريري عن التسمية، لأسباب هو يُقدّرها، فتصبح عندئذ المرجعية الروحية هي الجهة المولجة بإجراء المشاورات المناسبة مع قيادات الطائفة، أو الدعوة لاجتماع مشترك في دار الفتوى للتداول بالتطورات المستجدة، والتوافق على طرح اسم شخصية، أو تسمية عدة شخصيات تتيح لهم كفاءاتهم وخبراتهم تولي هذه المسؤولية في هذه الفترة العصيبة. على أن يُترك للاستشارات النيابية الملزمة اختيار من يرونه الأنسب من الأسماء المطروحة في لائحة دار الفتوى.
وتُحذّر الأوساط السنيّة المعنية من مغبة تكرار تجربة الدكتور حسان دياب، بحيث يُترك لأهل السلطة أمر اختيار رئيس الحكومة العتيدة بمعزل عن قيادات الطائفة وإرادة أبنائها، لأن وضع البلد المتدهور لا يتحمل تداعيات مغامرة جديدة، يقودها أصحاب الكيديات الحاقدة في السلطة.
آن الأوان ليدرك أهل الحكم، وخاصة فريق رئيس الجمهورية، أن اختيار رئيس الحكومة الجديدة لا يمكن أن يتم خارج إرادة مرجعيات وقيادات الطائفة، وموقع رئاسة الحكومة لن يكون قطعة شطرنج بيد المتهالكين على الهيمنة والاستئثار بالسلطة، والغطاء السنّي لن يكون متوافراً، ولو بحده الأدنى، كما حصل في مهادنة حسان دياب.