لم يكن مفاجئاً أن يتخذ وزير التربية طارق المجذوب قراراً بإعفاء رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف، ندى عويجان، من مهامها في المركز وإعادتها إلى ملاك الجامعة اللبنانية، بالنظر إلى التوتر الذي ساد العلاقة بين الطرفين والنزاع على التحكم بمفاصل القرار التربوي. فمن ناحية يرى المجذوب أن عويجان تتجاوز صلاحياتها وتتصرف وكأنها الوزير ولا تعير اعتباراً له، فيما كررت عويجان مراراً بأن الوزير غير متعاون مع طروحات المركز. الكباش طال ملفات عدة منها رفض الوزير توقيع مناقصات، عدم موافقته على تجديد عقود يبرمها المركز لمدة 6 أشهر بأجور مرتفعة لخبراء ومستشارين بلا عمل، ومنهم أصحاب حظوة وأقارب، نقل موظفين في المركز يداومون في الوزارة، عدم الموافقة على مشروع المنصة الالكترونية للمركز التي تكلّف ملايين الدولارات. وبذلك اعتبر الوزير أنه يقوم بخطوات إصلاحية. وقد علمت «الأخبار» أن قرار إقالة عويجان كان قيد التداول منذ فترة في أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ولم يتخذ إلاّ بعد استقالة الحكومة والتحرر من الضغوط السياسية.
لكن ما هو غير منتظر أن ينضم وزير – قاضٍ وعارف بقوانين الإدارة العامة إلى لائحة من سبقه من الوزراء المخالفين للقانون لجهة اعتماد التكليف في رئاسة المركز التربوي (تكليف استاذة الرياضيات في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية فدى الشامي)، وهي حالة غير قانونية، بحسب ما تنص عليه المادة 49 من المرسوم الاشتراعي 112/1969 (قانون الموظفين) التي تحظر أي حالة أخرى غير حالات الأصالة والوكالة والانتداب. ثم أن سلطة تعيين رئيس المركز هي لمجلس الوزراء وليست للوزير.
وأشارت مصادر قانونية إلى أن اتخاذ القرار في 10 آب الجاري، أي في يوم استقالة الحكومة، يخفي نية مبيتة لدى الوزير، ويخالف كل قواعد الإدارة، لأن الوزير يعرف أن هناك تعميماً يصدر مباشرة بعد استقالة أي حكومة وحمل هذه المرة الرقم 27، يشترط أن تأخذ القرارات الإدارية التي تدخل في نطاق الأعمال التصرفية (وقرار تكليف رئيس للمركز هو من ضمن هذه القرارات)، التي تقتضي الضرورة اتخاذها خلال فترة تصريف الأعمال بموافقة استثنائية من رئيسي الجمهورية والحكومة، وكان على الوزير أن يأخذ هذه الموافقة بالحد الأدنى. كذلك طرحت علامات استفهام بشأن الوقت الفاصل بين تاريخ إصدار القرار وتاريخ تبليغه وهو 14 يوماً! في الواقع، فإن توقيف دفتر القيد السجل لتدوين قرارات بتواريخ سابقة بات سمة عامة في الإدارات العامة، والمركز التربوي نفسه لا يشذ عن هذه القاعدة، وهو ما يطرح السؤال عن دور التفتيش الإداري في مراقبة هذه المسألة التي تدخل في صلب عمله وصلاحياته.
مع ذلك، القرار بحد ذاته يعد سابقة، إذ لم يحدث أن نقل وزير موظفاً فئة أولى من منصبه وكلف بديلاً عنه من دون التنسيق مع المرجعية السياسية للموظف، وهي في هذه الحالة التيار الوطني الحر، كي يكون مثل هذا التدبير ضمن سلة تحاصص. إلاّ أن التيار فوجئ بالتدبير، كما قال لـ «الأخبار» المسؤول التربوي في التيار روك مهنا. الأخير تحدث عن «عملية تزوير»، إذ صادر الوزير السجل الذي تدوّن فيه تواريخ القرارات وأرقامها من الموظف في المصلحة الإدارية المشتركة في 11 آب ولم يرجعه إليه قبل يوم أمس، ليضع تاريخ تسجيل القرار ورقمه قبل الدخول في تصريف الأعمال. وأضاف: «الوزير اتخذ هذا القرار ليغطي فشله في تحقيق أي انجاز للتربية، لكنه لم يعرف بأنه فتح عليه نار جهنم، والقصة لم تنته هنا، سندعي عليه في النيابة العامة ولدينا كل الوثائق التي تثبت عملية التزوير، كذلك سنبطل القرار في مجلس شورى الدولة».
وفي تعليق على القرار، رأت عويجان أنها دفعت «ثمن مواقفي التربوية والوطنية ووضعي للنقاط على الحروف»، و«أنا لا أزال مصرة على أن وزارة التربية غير جاهزة لاستقبال عام دراسي جديد».
الشامي، من جهتها، رفضت الخوض في التفاصيل، مكتفية بالقول: «لدي تصور وأفكار كثيرة بالنسبة إلى الأمور التي أود القيام بها، لكن أفضل دراسة الموضوع بشكل معمق مع فريق عمل المركز قبل التحدث الى الإعلام».