افضت جلسة مجلس النواب في اليومين المنصرمين الى اهدافها: التئامه قبل انقضاء العقد العادي، انجازه جدول اعماله، اعادة بث الروح في السلطة المشترعة فيما تشغر رئاسة الجمهورية ويُشل مجلس الوزراء. لكن ماذا بعد ذلك؟
حجب التفجيران الانتحاريان في الضاحية الجنوبية الخميس، تداعيات جلسة مجلس النواب ــــ الاولى منذ تشرين الثاني 2014 ــــ بعد ايام من انقسام سياسي غير مسبوق اوحى بخلط اوراق التحالفات وتشتت الافرقاء، ووضع المؤسسات على طريق الفراغ الشامل. لم تفضِ الجلسة حتماً الى عكس ما كان متوقعاً لها، ولا اخلّت بالمخرج الملتبس الذي انقذ انعقادها مقدار ما انقذ الكتل النيابية كلها تقريباً من مأزق الاحراج والشروط والشروط المضادة.
بيد ان انعقاد جلستي الخميس والجمعة لم يرسل بالضرورة اشارة ايجابية مؤكدة الى استعادة البرلمان، في ما بعد، انعقاده الدوري في ما تبقى من العقد العادي الثاني الحالي على الاقل. لم ترسل الجلستان في حضور الحكومة ورئيسها تمام سلام اشارة ايجابية مماثلة الى قرب استرجاع مجلس الوزراء اجتماعاته، ولا اقتربت بالتأكيد من انتخاب رئيس للجمهورية. بدا اجتماع المجلس اشبه بمحطة مستقلة في ذاتها، مرتبطة بالانقسام السياسي الحاد والمربك الذي سبقها اكثر منه تحديد ملامح المرحلة المقبلة في عمل السلطة المشترعة حتى نهاية كانون الاول، وتالياً فرصة التئامها مجدداً للخوض في ما دُعيت الى الاكتفاء به حتى انجازه، وهو قانون الانتخاب.
الا ان الجلستين لم تخرجا بنتائج وهمية او غبار سياسي. اعطيت الكتل ــــ المستعجلة انعقادها والمتحفظة عن جدول اعمالها ــــ معظم ما كانت تطالب به سواء بالنسبة الى القوانين المالية والاتفاقات الدولية، او استعادة الجنسية وعائدات البلديات، او استئناف مجلس النواب دورة اجتماعات هيئته العامة وممارسته صلاحياته في اقرار القوانين. بذلك ظهرت جلستا اليومين مثمرتين، بحد مقبول من السجال المستفيض الذي اعتاد عليه المجلس دونما اهدار الكثير من وقته، وإن تحت وطأة الاعتداء الارهابي على الضاحية الجنوبية. كرّست، في المقابل، قاعدتان جديدتان من غير المستبعد ــــ من الآن فصاعداً ــــ ان لا تستبدا بانعقاد اي جلسة مقبلة:
أولاهما، تحويل الميثاقية الى فيتو بين ايدي الكتل الكبرى، الرئيسية، الممثلة لطوائفها على نحو يجعل من ممانعة اي منها، سنّية او شيعية او مسيحية، سبباً مباشرا لانفجار ازمة وطنية خطيرة او شل المؤسسات الدستورية. سمح اول تعاون بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، في اول ترجمة فعلية غير دعائية لـ «اعلان النيات»، بأن يمثلا القوة المسيحية الضاغطة التي احالتهما معاً جزءاً اساسياً في تطبيق الميثاقية، لن يكون في الامكان تجاهلها بعد اليوم ما دامت كذلك.
على نحو كهذا، تذوّق الافرقاء المسيحيون الرئيسيون في الايام الاخيرة، اكثر من اي مرة سابقة، وربما للمرة الاولى، طعم الفيتو الذي حُرموا منه في مجلس النواب منذ عام 1992، في الظل السوري ومن بعده. كانت قد سبقتهم الى هذا الفيتو الحاسم الثنائية الشيعية ــــ صاحبة السابقة ــــ عام 2006، ثم انتزعته الغالبية السنّية عام 2013.
ثانيتهما، خطورة تعميم تجربة حكومة سلام على مجلس النواب، بحيث تنتقل عدوى اشتراط الكتل الوزارية الموافقة على جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء الى داخل السلطة المشترعة، فتتدخل الكتل النيابية الرئيسية بدورها في فرض بعض بنود جدول اعمال اي جلسة عامة، شرطاً لمشاركتها فيها. ومع ان رئيس المجلس نبيه بري رفض تعديل جدول اعمال الجلسة، وتحديداً ادخال قانون الانتخاب في متنه كشرط لحضور الكتلتين المسيحيتين الرئيسيتين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وأصر على البنود التي قررتها برئاسته هيئة مكتب المجلس، إلا ان اعلان الرئيس سعد الحريري من الرياض عدم مشاركة تياره في اي جلسة مقبلة للمجلس لا تقتصر على قانون الانتخاب لمناقشته واقراره، بدا اشبه بفرض جدول اعمال الجلسة المقبلة. من دون قانون الانتخاب لا اجتماع لمجلس النواب بعد ذاك، ملوّحاً برفع إصبع الفيتو السنّي الذي يحول التئام الجلسة، على نحو يكرر ما حصل اخيراً عندما رفع المسيحيون إصبع المقاطعة.
يحدث ذلك في معزل عن الاصول المتبعة في الدستور والنظام الداخلي لانعقاد المجلس، والضوابط التي تضعها لنصابي الاجتماع واتخاذ القرارات. بذلك يمسي البرلمان على صورة ما هي عليه حكومة سلام اليوم، مذ علقت عملياً العمل بالمادة 65 من الدستور المتعلقة باجتماعات مجلس الوزراء واتخاذه قراراته التي باتت بدورها معلقة على التوافق المسبق على جدول الاعمال، كما على التصويت على القرارات.