اللبنانيون “مكشوفون” مالياً وصحياً! إنهم يتسوّلون أموالهم الخاصة في البنوك، والزكام، مع الصقيع الشديد والمطر الشديد، يتسلل الى أجسادهم جاعلاً إياهم بين فكّي كماشة هذا الزمان! وإذا كان “الفتات” مكتوباً عليهم مصرفياً فماذا يمكنهم أن يفعلوا صحيّاً ليبعدوا عنهم هذا الفصل أمراض الشتاء؟
“الدفا عفا ولو في عزّ الصيف” فكيف الحال في عزّ الشتاء؟ إنسوا الدولار والليرة وانسوا الحكومة والقهر واليأس وكل ما يُضعف المناعة كي لا تخسروا الصحّة وتصابوا ببردٍ وزكام و”أتش1 أن1″ وسعال وقحة وبارتفاعٍ في الحرارة وربما “هزة حيط” لأن الصحةّ أغلى من كلِّ ما عداها. كل شيء يذهب ويأتي إلا الصحّة. هذا ما رددته جداتنا. وهذا ما تردده مصارفنا!
رائعٌ حقا أن تكونوا قد اخترتم أخذ الحيطة والحذر من كلِّ الأمور السلبية لكن ماذا لو أصابكم البرد، في موسم البرد، فجأة؟ وماذا عن باقي العوارض؟
يبدو أن فيروس إتش 1 إن 1 تحوّر في مصر وبات ينتقل من إنسان الى إنسان بعد أن كان ينتقل من خنزير الى إنسان. هذا هناك، وراء الحدود، لكن ماذا عنه في لبنان؟ يفيد أن تعرفوا أنه تمّ الإبلاغ عن 123 حالة في موسم شتاء 2019- 2020 جرى إختبار 42 في المئة من هذه الحالات تبيّن أن 17 في المئة منها أنفلونزا إيجابية وبينها ثلاث حالات إتش1 إن1. وهذا معناه أن الفيروس موجود هنا.
لن نقول: هذا ما كان ينقصنا بل سنسأل عن كيفية الوقاية والعلاج.
فلنبدأ التمييز بين أعراض الأنفلونزا التقليدية وأعراض الزكام:
تبدأ الأنفلونزا غالبا بصداع وقشعريرة برد وتتطور الى سعال جاف وحمى، أي الى حرارة قد تتجاوز الأربعين درجة، وتستمر أحيانا عدة أيام. ويشعر المريض في خلالها بآلام في العضلات تتركز في أسفل الظهر وعند القدمين وبآلام في المفاصل وبعدم قدرة على النظر باتجاه الضوء. وبعدما تنحسر الأعراض العامة قد تبدأ أعراض الجهاز التنفسي وبينها ألم في الحلق وسعال يستمر أياما إضافية وأحيانا أسابيع وقد يشعر المريض بعد الإصابة بوهن وتراخ شديدين.
ماذا عن الزكام؟
حين يصاب المرء بهذا الفيروس، فيروس الزكام، يبدأ السيلان من المنخارين بسبب محاولة خلايا الأنف والجيوب الأنفية طرد الفيروس وتنظيفه بإفراز كميات من المخاط السائل. وحين تعود البكتيريا الطبيعية الموجودة في الجهاز التنفسي العلوي وتنشط يبدأ يميل لون تلك الإفرازات الى الأخضر. ولعل النظرية الشعبية الخاطئة هنا أنه بمجرد أن يلوح اللون الأخضر في المخاط السائل يُفكر الإنسان بضرورة تناول مضاد حيوي ظناً منه أنه علامة التهاب.
غالبا ما تبدأ أعراض الزكام بألم في الحلق يتبعه سعال ثم عطاس، وقد يترافق أحيانا باحمرار وحريق في العينين وبتعب عام وصداع وربما ببحة في الصوت وارتفاع في درجة الحرارة. ولعلّ أماكن الازدحام المغلقة تكون مرتعاً لهكذا فيروس خصوصا المدارس والبيوت والباصات وحتى المستشفيات. ويبدو أن الدخان، دخان السجائر، يزيد من قابلية الإصابة ومثله الصدمات النفسية فنرى الإنسان الذي يمر بصدمة لا يلبث أن يسقط صريع فيروس من نوع زكام أو من أي نوع آخر، ومرد هذا الى أن الصدمة في ذاتها تضعف مناعة الانسان.
جسم الانسان قادر على احتضان الفيروس خمسة أيام قبل ظهوره، وقد يظهر خلال عشر ساعات من دخوله الجسم. والزكام مرض فيروسي يعني المضادات الفيروسية قد لا تنفع معه، وعلاجه بالتالي يكون بإعادة تكوين مناعة ذاتية، عبر الراحة والنوم واستنشاق البخار في حالات انسداد الأنف والإكثار من شرب السوائل الباردة والساخنة والتوقف عن التدخين وغسل اليدين بشكل متكرر وعند الإحساس بألم ما في الحلق تناول أحد الأدوية المتحدرة من مادة الباراسيتامول. وينصح بالتوجه الى الطبيب في حال الإحساس بألم في الصدر وظهور إفرازات من الأذن أو ارتفاع الحرارة أكثر من 39 درجة طوال ثلاثة أيام.
ماذا عن فيروس إتش1 إن1؟
من يُصغي الى أطباء الوقاية ويعود ويسأل عن أعداد من يدخلون المستشفيات، في شكل مفاجئ، يعرف تماماً أننا في سباق بين تكوين مناعة ضد الفيروسات الموجودة وزحف فيروسات جديدة، فإتش1 إن1 يكاد يتحول الى نمط موسمي عادي، لكن الأنفلونزا التي تصيب البشر ما عادت عادية، أصبحت أكثر شراسة، وعلاجها بات يستلزم في حالات كثيرة، لا سيما في حالات ضعف المناعة، الدخول الى المستشفيات، لذا يفترض بمثل هؤلاء أخذ لقاحات الكريب السنوية ليحموا أنفسهم ولو نسبياً.
ينتقل الفيروس، أي فيروس،، جراء الرذاذ الذي ينبعث من شخص مصاب يسعل أو يعطس في وجه الآخرين ويأبى إلا أن يلقي التحية عليهم بيده اليمنى الملوثة بالفيروس! والنصيحة الوقائية الأولى هي: غسل الأيدي بالمياه والصابون جيدا أو بمحلول كحولي. أما علامات إتش1 إن1 فتشبه الى حد كبير علامات الأنفلونزا الموسمية، أي أن من يشعر في هذه اللحظات مثلا بآلام في العضلات وبالتهاب في الحلق وسيلان في الأنف وصداع يترافق مع تقيؤ وإسهال أحيانا قد يكون مريض أنفلونزا عادية جدا وقد يكون مريض أتش1 أن1 وفي الحالين يفترض به، من الآن وصاعدا، الامتناع عن السقوط في القلق الكبير والتعامل مع الحالة على أنها مجرد أنفلونزا عادية لا تتطلب استنفاراً ولا دواء من نوع خاص جداً!
يبقى السؤال، متى تصبح مراجعة الطبيب ضرورية؟
قد يكفي، في أحيان كثيرة، في حالتي الزكام والأنفلونزا، الاسترخاء للشفاء، لكن في حال شعر المريض بألمٍ شديد في الصدر أو بعدم قدرة على التنفس، وإذا رأى إفرازات متكررة من الأذن، واستمرت حرارته ترتفع أكثر من ثلاثة أيام، وتجاوزت الحرارة 39 درجة فيفترض هنا وضع علامة استفهام تتطلب جواباً شافياً من اختصاصي. وفي الأرقام، تصيب الأنفلونزا مئة مليون انسان تقريباً في السنة الواحدة، في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان، أي بمعدل شخص واحد من كل عشرة اشخاص بالغين، وطفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال. وأقوى فيروس أنفلونزا ضرب العالم كان بين عامي 1918 و1919 وأودى بحياة نحو عشرين مليون انسان.
هو الشتاء والصقيع والزكام والأنفلونزا وهو الوضع الإقتصادي السيئ والمالي المزري والقلق العارم. وكلّها تتسبب بضعف المناعة والمناعة الضعيفة تتسبب في كلّها. هو في اختصار زمن مالي وفيروسي أكثر من صعب.