Site icon IMLebanon

«وطن النجوم»

 

بدا المشهدُ لافتاً في العيادة. بالرغم من التدابير المُتّخذة من وحي الثقافة الجديدة التي أدخَلَها فيروس كورونا على الحياة عندنا وفي العالم كلّه، والتي تختصرها عبارة «التباعد الإجتماعي»، ضاقت العيادة بروّادها قاصدي الطبيب الذي بنى لنفسه شهرة واسعة بأنه أحد أبرز أطبّاء العيون…

 

معظم الحضور من الذين يصحّ فيهم أنهم زبائن دائمون، وثمّة جدد ترك الإنفجار المروّع في المرفأ بصماته على عيونهم، وقد راوحَت إصاباتهم بين الجديّة الخطرة والطفيفة العابرة.

 

إلا أنّ القاسم المشترك بين الجميع هو القلق على المصير و… إرتفاع «شَرَفية» الطبيب (honoraires) التي رافقَت صعود الدولار وهبوط عملتنا الوطنية.

 

كان الإلتزام بالكمامات كليّاً. أما الأحاديث فراوحَت، بعد القلق على المصير، بين غلاء تكاليف الحياة والتوق إلى هجرة ليست في متناول الجميع، والقرف من السياسة وأهلها، والكفر ببلدِ ندِم بعضهم على العودة إليه بعدما كان مستقرّاً في الخارج حيث كان يتمتّع بحقوق الإنسان كاملةً بما فيها حقّه في الطبابة، إلا أنّ الشوق إلى وطنٍ، كان «وطن النجوم»، دفع به إلى الرجوع ليقع في أشداق الفساد والإستلشاق والإهمال والصراعات السياسية على المكاسب والمغانم.

 

أما الأكثر مرّاً فهي حال الذين جمعوا أموالهم وحوّلوها إلى وطنهم قبل السابع عشر من تشرين الشهير وعندما أرادوا الحصول عليها أو على بعضها وجدوا أنفسهم كمن يقبَض على الريح!

 

ومن باب المقارنة بين واقعٍ وآخر، روى أحدهم أنّه أُجريَت عليه عمليّة جراحية في فرنسا وعندما انتهت مرحلة استشفائه وتقرّر أن يُغادر إلى النقاهة في منزله لحِقَت به إلى باحة المستشفى الخارجية إحدى العاملات وسألَتهُ أين يُقيم، فأجابها في الشارع كذا من باريس الخامسة، فلجأت إلى جهاز كان في جيبها وضغطت على بضعة أزرار من صفحته ثمّ استوقفَتهُ واستمهَلتهُ لتعود بعد دقائق قليلة فتُقدّم له سبعين يورو وهي تقول: «أنت يجب ألا تتنقّل في قطار الأنفاق نظراً إلى وضعك الصحي وهذا المبلغ هو بدل إنتقالك في تاكسي إلى حيثُ تُقيم، وهو حقّ لكَ.»

 

وخَتمَ قائلاً: «نِحنا مش طالبين هلأد بلبنان. بس عم نطلب يكون معنا أجرة السرفيس».