IMLebanon

الرعاية الصحية تهدّد الدولة.. والفساد يحميها!

خلاف الأرقام يؤجل «تقاعد المتعاقدين».. وتخوّف من «قطبة مخفية»

الرعاية الصحية تهدّد الدولة.. والفساد يحميها!

غريب أمر بعض النواب. يتذكرون الدولة فقط عندما يلوح في أفقها بعض العدالة. يحرصون على أموالها فقط عندما تذهب هذه الأموال لمن يستحقها، ولا تُسمع أصواتهم عندما تصرف مبالغ طائلة بلا حسيب أو رقيب وبلا موازنات.

عندما طرحت مسألة تأمين نظام تقاعدي للمتعاقدين مع الإدارات الرسمية، في «اللجان المشتركة» أمس، تنبّه أحد النواب «البكوات» أن المجلس النيابي لا يمكنه التشريع مالياً. «البيك» نفسه لم يُسمِع صوته مطالباً بالتخلي عن مخصصاته أو رافضاً لبقائه في كرسيه خلافاً للدستور. أما زميله فلم يتردد في التوقف عند تكلفة الطبابة للمتقاعدين، مستكثراً على من خدم «دولته» لعشرات السنين أن يحظى برعاية طبية بعد تقاعده. نواب آخرون، ممن شاركوا في الجلسة، لم يعرفوا الفارق بين المعاش التقاعدي وبدل نهاية الخدمة أو بين الإدارة العامة والمؤسسة العامة، لكن للمرة الأولى كان لافتاً أن نواباً شعروا بحرج إثارة مسألة طائفة المستفيدين من القانون المفترض، وإن سأل بعضهم خارج الجلسة عن توزيعهم.

كان يفترض أن يأخذ الاقتراح المتعلق بإعطاء المتعاقدين حق الاختيار بين الحصول على معاش تقاعدي أو الحصول على تعويض نهاية خدمة طريقه نحو الإقرار أمس، بعدما ظهر في الجلسة التي سبقت أن كل الكتل النيابية تؤيده.

لم يتراجع هذا التأييد. تنافس الجميع على الإشادة بالمشروع، لكن القلق الذي ساور الإعلاميين المتعاقدين مع وزارة الإعلام والمنتدبين إلى مجلس النواب، أوحى أن ثمة خشية فعلية من نية مبيتة لدى البعض لتطييره من خلال «تكبير حجره». وهو ما لوحظ من خلال مطالبة البعض أن يشمل كل المتعاقدين مع الدولة (عشرات الآلاف)، بغض النظر عن مراعاتهم للأصول القانونية للتعاقد وبغض النظر عن الشبهات التي تطال طريقة الاستعانة بخدماتهم. لكن مقرر اللجان النائب ابراهيم كنعان، حاول، بعد الجلسة، إشاعة أجواء مختلفة. أكد، في المؤتمر الصحافي الذي عقده، أن لا اعتراضات فعلية على المشروع، لكن النواب يريدون بعض التوضيحات المرتبطة بالعدد الفعلي للمتعاقدين مع الوزارات والإدارات الرسمية. حجة هؤلاء أن ثمة اختلافاً في الأرقام بين مجلس الخدمة المدنية ووزارة المالية. فقد قدم ممثل المجلس انطوان جبران جدولاً يشير إلى أن عدد المتعاقدين من خلال «الخدمة المدنية» هو 2989 متعاقداً، فيما أشار المدير العام للمالية العامة في وزارة المالية ألان بيفاني إلى أن عدد المتعاقدين الذين يحصلون على بدلات تعاقد من قــبل دائرة الصرفيات في الوزارة يبلغ 4089 متعاقداً. وعليه، فقــد كُلّف بيفاني وجبران، بحسب المعلــومات الرســمية، تقييم عدد المستفيدين من هذا الاقتراح، خلال مهلة أسبوع (تعـــقد الجلســة المقبــلة الثلاثاء المقبل)، «مع تأكــيد اللجــان المشتركة على التوجه بهذا الاقتراح كما عدلته لجنة الادارة والعدل» (شمول كل المتــعاقدين مع الإدارات الرسمية، بحسب الأصول القانونية).

وقد توقف عدد من النواب عند هذا الفارق، قبل أن يتبين أن بعض الإدارات الرسمية تتبع أصولاً مختلفة للتعاقد، لا تلزمها المرور عبر مجلس الخدمة المدنية، كالمتعاقدين المدنيين مع بعض القوى الأمنية، على سبيل المثال. وفي مطلق الأحوال، يتوقّع أن يشمل القانون كل المتعاقدين الذين يعملون بدوام كامل والذين يخضعون لآليات عمل الموظفين نفسها.

في كواليس المجلس، جرى نقاش مبدئي حاد حول من يستحق ومن لا يستحق. حيث تحفّظ البعض على اعتبار التقديمات حقوقاً للمتعاقدين، معتبرين أن من تعاقد مع الدولة كان يعرف مسبقاً أنه لن يحصل على معاش تقاعدي، وقد وافق على ذلك، عدا عن كون عدد كبير ممن تعاقدوا مع الإدارة، هم من المحسوبيات الذين لا يتمتعون بالكفاءات المطلوبة.

وفي مطلق الأحوال، فإن النقاش في مبدأ حقوق المتقاعدين، يعيد تسليط الضوء على مبدأ «الدولة الراعية لكل أبنائها»، والذي ينهي مسألة الاستنساب في الحقوق. والأمر نفسه ينسحب على الشق الثاني من اقتراح القانون والذي يتعلق باستفادة المتعاقدين بعد تقاعدهم من خدمات تعاونية الموظفين. وهو أمر حيوي أيضاً وأساسي، لكنه يطرح الإشكالية نفسها المتعلقة بتجزئة الحقوق، ويعيد إلى الذاكرة مشروع القانون المنسي في أدراج مجلس النواب، لأسباب مجهولة، والمتعلق بضمان الشيخوخة لكل اللبنانيين.

بالعودة إلى النقاش الذي شهده مجلس النواب أمس، فقد فوجئ عدد من النواب بوجود كلفة مالية للمشروع، بالرغم من أن معديه يؤكدون أنه لا يكلف الخزينة شيئاً. خاصة أنه يفترض بالمتعاقد الذي يفضّل الحصول على معاش تقاعدي أن يدفع تعويض نهاية الخدمة الذي يحصل عليه من الضمان الاجتماعي إلى الدولة، إضافة إلى محسومات تقاعدية تقدر بـ3 بالمئة عن راتبه الأخير، عن كل فترة خدمته.

وبعيداً عن احتساب هذه المبالغ، فقد توقف النواب عند ما قاله بيفاني عن أن التكلفة السنوية للمشروع تقدر بـ33 مليار ليرة، لكنهم لم يبالوا بما قاله عن أن هذا المبلغ لم تحسم منه المبالغ التي يمكن تحصيلها من تعويضات نهاية الخدمة، والتي تقدر بنحو 400 مليار ليرة عن كل المتعاقدين. وبما أنه من البديهي أن يحال هؤلاء تباعاً إلى التقاعد، فإن المبلغ الذي ستحصّله الدولة، يعني أنها قادرة على تغطية معاشات التقاعد لـ13 سنة (انطلاقاً من الرقم الذي قدمته وزارة المالية لعدد المتعاقدين) من دون احتساب المحسومات التقاعدية التي يمكن ان تزيد هذه المدة، ومع افتراض أن كل هؤلاء سيختارون الحصول على معاش تقاعدي، وهو أمر شبه مستحيل.