الى حين اتّضاح اتجاهات الريح، مع حلول موعد انتهاء المرحلة الثانية من التعبئة العامة في 26 نيسان، يستمر وزير الصحة الدكتور حمد حسن في سعيه الى تحسين شروط الصمود، تمهيداً للانتقال من الدفاع الى الهجوم، متمسّكاً بصوابية الاستراتيجية التي يعتمدها في مقارعة فيروس كورونا.
وعلى الرغم من قربه من «حزب الله»، حاول حسن أن يكون عابراً الطوائف والمناطق، وصولاً الى العمق الجغرافي لـ»القوات اللبنانية» في بشري، ما دفع كلّاً من الدكتور سمير جعجع والنائب ستريدا جعجع الى شكره، حتى قيل انّ كورونا قرّب المسافات بين «حزب الله» و»القوات».
واذا كان «حزب الله» يتعرض لحصار دولي، فإنّ حسن قد يكون استطاع اختراقه بعد إشادات بعمله من منظمة الصحة الدولية ومنظمات اجنبية والاتحاد الأوروبي، كذلك من السفير الفرنسي في بيروت، الذي نَوّه خلال الاجتماع الاخير مع مجموعة الدعم الدولية للبنان في قصر بعبدا بالاجراءات المتّبعة من قبل وزارة الصحة في مواجهة كورونا.
لكنّ الأمور لم تكن بهذه السلاسة بين حسن والسفيرة الأميركية دوروثي شيا التي وجدت نفسها، خلال حضورها الاجتماع، في مكان واحد مع وزير هو تكنوقراط من جهة، ويمثّل «حزب الله» من جهة أخرى، فاحتارَت في كيفية التصرف والتعاطي مع هذا الموقف، وقد انعكست حيرتها بالخروج المتكرر من القاعة ثم الدخول اليها مجدداً، ما أدى إلى بعض التأخير في انطلاق اللقاء، قبل أن تستقر على مقعدها وتتقبّل الأمر الواقع، على مضض.
وخلال مداخلته المكثفة أمام سفراء المجموعة الدولية، غَمز حمد من قناة السفيرة الأميركية، عندما أشار الى انّ الصعوبات التي تواجه تحويل الأموال من والى لبنان نتيجة القيود المالية المفروضة عليه ساهمت في حصول نقص لديه في التجهيزات الضرورية لمواجهة فيروس كورونا (في إشارة ضمنية الى أثر العقوبات الأميركية).
واكد حسن انه وزير صحة لكل لبنان، وانّ سياساته لا تميز بين منطقة واخرى او طائفة واخرى.
امّا على مستوى أدوات المبارزة مع كورونا، فقد تعرّض حسن اخيراً الى ضغوط لاعتماد الفحص السريع rapid test، بعضها من حلفاء
كـ»التيار الوطني الحر» وبعضها الآخر من مراكز ثقل مالية وطبية، الا انه أصرّ على رفض الاستعانة به لسبين:
الأول، اقتناعه بأنّ هذا الاختبار لا يعطي نتائج قاطعة وصحيحة، بل يؤدي إلى تضليل وزارة الصحة والأطباء، كونه يؤشّر في احيان كثيرة إلى أنّ النتيجة سلبية بينما يكون الشخص الخاضع للاختبار مصاباً بالفيروس، والسبب انّ هذا الفحص غير دقيق وحساسيته ضعيفة، وبالتالي لا «يلتقط» الاصابة سوى بعد مرور نحو أسبوع على حدوثها واستفحال عوارضها.
اما السبب الآخر الذي دفع حسن الى رفض خيار rapid test فهو ارتيابه في وجود منفعة مادية للبعض خلف تمسّكهم باستيراد هذا الفحص، مع انه ليست له جدوى حقيقية.
وضمن الضغوط التي واجهها حسن، لوّح عدد من الأطباء في مستشفيين تتبعان للقطاع الخاص بتنظيم عريضة احتجاج على امتناعه عن الاستعانة بالفحص المشار اليه، وذلك لِحضّه على التراجع عن قراره، لكنه رفض تغيير موقفه، محذّراً من أنّ التجاوب مع مطلب البعض سيعني استنساخ تجربة اسبانيا التي اعتمدت الفحص السريع، فحصلت على مؤشرات خاطئة أدّت في نهاية المطاف الى تفشّي الوباء.
ويعتبر حسن انّ الأخذ بهذا الفحص في لبنان سيؤدي إلى نسف حصيلة كل السياسات والتدابير التي اتّبعتها وزارة الصحة ضد كورونا، حتى الآن، لأنه سيتسَبّب في انتقال صامت للعدوى وتعطيل قاعدة احتواء انتشار المرض التي تقوم على إخضاع عائلة المصاب وجيرانه والحي الذي يقطنه إلى فحص pcr الدقيق، بينما في حالة الفحص السريع ستكون هناك مجازفة باحتمال فقدان أثر هذا المصاب والخيوط التي تربطه بمحيطه.
وفي حسابات الوزير انه اذا استمر الوضع تحت السيطرة خلال الفترة الممتدة حتى 26 نيسان، يمكن ابتداءً من مطلع أيار المقبل التعاطي بمرونة اكبر مع خيار الفحص السريع والبدء في استخدامه، إذ يكون لبنان حينها قد تجاوز بنجاح موجتين من كورونا، ما يسمح بالانتقال المتدرّج الى مرحلة الدمج بين معادلتي الحجر المنزلي ومناعة القطيع.
الى ذلك، عُلم انّ حسن، وقطعاً لأيّ شبهة مالية تتصل بفحص وزير الصحة الدكتور حمد حسن او غيره، ومنعاً للتنفيعات الجانبية في أكثر من مجال، قرّر أن يحصر به شخصياً التوقيع على الأمور المالية التي يمكن أن تكون مصدر منفعة غير مشروعة في وزارة الصحة، وذلك في سياق سعيه الى تجفيف ينابيع الفساد والقضاء على ظاهرة ما يُعرف بـ»الظرف المختوم» (مغلّف الرشوة).
كذلك، عُلم انّ الوزير أصبح على إحاطة بكثير من تفاصيل الملفات المشبوهة في الوزارة، وهو ينتظر التوقيت المناسب للخوض في «كهوفها».