لم تعد المسألة لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري مسألة «ميثاقية» بالنسبة الى الجلسة التشريعية المقررة في 12 من الجاري، فهي ستنعقد «جلسة ضرورية» من أجل «تشريع ضروري» ذي طابع إنقاذي.
لا يمكن لأيّ فريق سياسي ان يناقش في ضرورة هذا التشريع وملحاحيّته، لأنه يتوقف عليه مصير قروض دولية ميسّرة للبنان تفوق المليار ومئتي مليون دولار هو في حاجة ملحّة اليها في زمن الافلاس السياسي والمالي والاقتصادي الذي يتسبّب به الفراغ والتعطيل في المؤسسات الدستورية.
ولكنّ هذه الجلسة التشريعية تتهَددها مواقف معترضة بدأ يتخذها بعض القيادات المسيحية حول موضوع «تشريع الضرورة»، وتعتبر أنه «يلغي» رئاسة الجمهورية، ملوّحة بمقاطعة الجلسة انسجاماً مع موقف لهذه القيادات منذ بداية الأزمة الرئاسية يرفض حصول تشريع قبل انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
لكنّ الرئيس بري يؤكد ان لا عذر لهؤلاء في عدم الحضور لأنه لَبّى مطالب المقاطعين للتشريع ولا سيما منهم «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» بإدراج ما طلباه خلافاً للأصول في جدول اعمال الجلسة من مشاريع قوانين واقتراحات قوانين، ولا سيما منها مشروع قانون استعادة الجنسية للمغتربين الذي سحب من اللجان النيابية المشتركة قبل ان تقرّه وتحيله الى الهيئة العمومية للمجلس النيابي، فضلاً عن مشروع قانون عائدات البلديات من الصندوق البلدي المستقل.
ولقد استعدّ بري في شأن الجلسة لاحتمال المقاطعة «العونية» و«القواتية» والكتائبية من عدمها، وسيمضي بالجلسة متسلّحاً بملحاحية المشاريع المدرجة على جدول أعمالها، خصوصاً المالية منها لتجنيب البلد، الذي يستحق الحياة، الانتحار، على حد ما يردده امام زوّاره منذ اسابيع وحتى اليوم، خصوصاً انه كان أحيط علماً في الآونة الأخيرة بخطر ضياع القروض المقررة للبنان لدى البنك الدولي في حال عدم إقرار مشاريع قوانين الاتفاقات الخاصة بها في المجلس النيابي.
ويقول مصدر نيابي إنه في حال حصول ايّ مقاطعة «عونية» أو «قواتية» او «كتائبية»، فإنّ بري سيستمر في الجلسة لأنه ستحضرها مكوّنات مسيحية من كل الطوائف ومن الكتل النيابية الأخرى وحتى من داخل الكتل نفسها التي يمكن ان تقاطع الجلسة.
ومن هذه المكونات كتلة زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية بالإضافة الى النواب المسيحيين المستقلين فضلاً عن المنضوين في الكتل الأخرى، ما يجعل الحضور المسيحي في الجلسة ميثاقياً.
نفايات وديكة
والى ذلك يقرأ أحد السياسيين الكبار واقع الحال السائد فيخرج بنتيجة متشائمة، فيرى انّ الطبقة السياسية تحوّلت في قسم كبير منها الى خبراء بيئة فاشلين لم يعثروا على حل لنفايات تكاد تطمر البلد وتجعله مزبلة كبرى قبل ان تؤمّن المطامر اللازمة لها، الى درجة أنّ هذا السياسي يرى انّ الفشل في حل الازمة السياسية يمكن ان يُعثر له على تبريرات وأسباب داخلية وخارجية مقنعة، ولكنّ الفشل في معالجة أزمة النفايات لا يمكن تبريره لأنّ هذه الازمة لا ينبغي ان تحصل، وفي «العنزة» أمثولة كبرى للجميع وهي انها لا «ترقد» قبل ان تنظّف بنفسها مكان رقادها.
ويلاحظ هذا السياسي انّ أزمة النفايات التي أنتجها تراكُم الفساد منذ عشرات السنين حوّلت بعض رجال السياسة ديكة، كلّ منهم يقف «على مَزبلته صيّاحاً»، الى حد باتت البلاد كلها مغمورة بأكوام من النفايات السياسية والعضوية والصلبة تدفع بالبعض الى طرح أفكار جهنمية تبدأ بـ«ترحيل» النفايات الى الخارج على رغم الكلفة العالية لهذا الترحيل، أو رَميها في البحر لـ«يأكلها السمك» ويتوزّع ما تبقى منها من نفايات صلبة على الشواطىء، وصولاً الى الفكرة القائلة بأن تتدبّر كل طائفة ومذهب ومنطقة أمر نفاياتها بنفسها أيّاً كانت التبعات البيئية، وهو ما «أنعَشَ» سوق استيراد المعامل والمحارق لمعالجة النفايات.
ويلاحظ المصدر أنّ كل ذلك يحصل ورئيس الحكومة تمام سلام «يتريّث» ويبحث عن «توافق» يتيح انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار تنفيذ خطة الوزير أكرم شهيّب التي قد تفقد ما يبرّرها بفِعل مشاريع المعامل والمحارق التي بدأ البعض في استيرادها.
ويتخوّف البعض من انّ جبالاً من النفايات قد تبدأ بالظهور في بعض المناطق الداخلية وعلى الشواطىء أسوة بـ«جبلَي» برج حمود وصيدا اللذين ينتظران المعالجة منذ سنوات وسنوات أسوة بـ»جبل النورماندي» الذي عولِج برَدم البحر وتسييله املاكاً عقارية إضافية لشركة سوليدير يُباع المتر المربّع منها اليوم بعشرات الآلاف من الدولارات.
ويذكّر هذا السياسي «مَن خانَته ذاكرته» بأنّ جبلاً من النفايات كان قائماً عند المدخل الجنوبي لبيروت في محلّة الاوزاعي، ولكنه عولِج وصار ضمن حرم المطار بعد تنفيذ مشروع تَوسعته خلال حقبة التسعينات برَدم مساحات من البحر بدءاً من الاوزاعي وصولاً الى خلدة.