IMLebanon

حسرة لبناني.. حضر «فورمولا وان» في أبوظبي

لا شيء ينجح مثل النجاح. هذا ما يدور في خلد لبناني عادي حضر سباق «فورمولا وان» في أبوظبي، الذي كان آخر سباقات هذا الموسم في اطار بطولة العالم لسائقي السيّارات. انّه نجاح يعطي فكرة عن تطوّر مجتمع وبلد ومؤسسات الدولة في الإمارات العربية المتحدة.

عكس نجاح السباق وجود ارادة سياسية حقيقية تستهدف استخدام الثروة من اجل الإستثمار في كلّ ما هو ايجابي وحضاري بعيدا عن اي عقد من ايّ نوع. 

لعلّ اهم ما يخرج به من حضر «الجائزة الكبرى لأبوظبي»، وهذا اسم السباق الذي انتهت به بطولة العالم لسائقي السيارات، التطوّر الذي طرأ على الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة. آلاف المواطنين، والمقيمين، من طلّاب ومتطوعين، شاركوا في تنظيم السباق على حلبة جزيرة ياس. 

هناك عشرات الاف اتوا من مختلف انحاء العالم لحضور السباق او للمشاركة في الفعاليات التي تدور على هامشه او لحضور الحفلات الفنية التي تنظّم في المناسبة طوال اربعة ايّام. 

لعلّ اكثر ما يلفت الزائر هو وجود المواطن الإماراتي في كلّ مكان من اجل خدمة الزائر وتقديم صورة حقيقية عن التطوّر الذي طرأ على المجتمع على كلّ صعيد.

بعد سبع سنوات، هي عمر «الجائزة الكبرى لأبوظبي»، يصعب ايجاد ما يضاهي الدقّة في تنظيم حدث رياضي بهذه الأهمّية. كلّ ما يمكن قوله ان تنظيم السباق كان في المستوى الذي بلغته السباقات التي تجري في مناطق مختلفة من هذا العالم، من استراليا، الى القارة الأميركية بشمالها وجنوبها ووسطها، وصولا الى الدول الأوروبية، بما في ذلك سباق جرى هذه السنة في منتجع سوتشي الروسي. 

لم تعد أبوظبي مركزاً للمصارف العالمية الكبيرة ولشركات النفط الكبرى ولمشاريع انمائية ضخمة وللطاقة النظيفة. لم تعد مركزا لإستقطاب المتاحف العالمية مثل غوغنهايم واللوفر ولكبرى الجامعات، او لمعلم كبير مثل مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة، رحمه الله. انّها فوق ذلك كلّه مكان لصنع انسان جديد يعرف قيمة العمل الجدّي. هذا ما يفعله الإماراتيون. انّهم لا يخجلون من العمل. العمل صار ملازماً لصفة المواطن، بل موضع فخر له.

لم يأت هذا التطوّر من فراغ. لدى العودة الى التراث الذي خلفه الشيخ زايد، نجد انّه عرف كيف يبني الإتحاد ويبني المواطن في الوقت ذاته. ربط بين العلم والعمل والحداثة والإنجاز على كلّ صعيد. البلد صار أخضر. تغلّب على الصحراء. المناخ صار اقلّ قساوة تجاه الإنسان. عندما يتحدّث الزائر الى مواطنين اماراتيين يكتشف انّ الشاب لم يعد اتكاليا. انّه يبحث عن اكتساب خبرة في كلّ المجالات، ان عن طريق الدراسة الجامعية او تحصيل اللغات الأجنبية، على رأسها الإنكليزية. 

تلك النقطة المضيئة التي اسمها «الجائزة الكبرى لأبوظبي» لا تعني غض الطرف عن التحديات التي تواجه دولة شابة مثل الإمارات العربية المتحدة التي تحتفل هذه الايّام بالعيد الوطني الرابع والأربعين. 

لا مفرّ من مواجهة التحدّيات، بدءا بالسياسة الإيرانية، خصوصا ان ايران تحتل منذ العام 1971، اي منذ ايّام الشاه، الجزر الإماراتية الثلاث، ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى. كذلك، لا تتجاهل الإمارات خطر «داعش»، بل هي شريك في الحرب على هذا التنظيم الإرهابي، كذلك هي شريك مع المملكة العربية السعودية في دعم الشرعية في اليمن من اجل وضع حدّ لاغتصاب الحوثيين المدعومين من ايران للسلطة، خصوصا بعد احتلالهم صنعاء في الواحد والعشرين من ايلول 2014 واعلانهم عن قيام نظام جديد يستند الى «الشرعية الثورية».

جديد الإمارات انّها قوة عسكرية تعرف تماما معنى التحديات الإقليمية ومغزاها ان في مواجهة الإرهاب بكلّ اشكاله وان لجهة ضرورة اعادة الشرعية الى اليمن. الكلفة كبيرة في بعض الأحيان، لكنّ المجتمع الإماراتي يتفهّم ابعاد التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع ويدرك خصوصا انّ لا مفرّ من تقديم تضحيات في احيان كثيرة، تماما كما الحال في ايّ دولة تمتلك جيشا عريقا محترفا.

يبقى، ان سباق «الجائزة الكبرى لأبوظبي» يترك لدى اللبناني حسرة. كان هناك تفكير منذ العام 1996 في ضمّ لبنان الى الدول التي تستقبل سباقا من سباقات «فورمولا وان». كان ذلك في ايام الرئيس رفيق الحريري الذي كان يعيد بناء بيروت ويعيد لبنان الى خريطة المنطقة والعالم. كانت الفكرة تقوم على ايجاد حلبة داخل بيروت، على غرار حلبة امارة موناكو التي تستضيف سنويا احد اشهر سباقات السيّارات واكثرها شعبية في العالم. 

وُجد من يحارب كلّ مشروع يصبّ في اعادة لبنان الى مكان يقصده سيّاح وزائرون من مختلف انحاء العالم، خصوصا من دول الخليج. اقلّ ما يمكن قوله ان ما يزيد على مئتي الف شخص كانوا في أبوظبي والمناطق القريبة منها خلال سباق «فورمولا وان». 

لا منافسة بين لبنان والإمارات. لا احد يأخذ مكان احد في هذا العالم. على العكس من ذلك هناك تكامل بينهما، هناك عشرات آلاف اللبنانيين الذين يعملون في الدولة ويساهمون في نهضتها ويرسلون اموالا الى عائلاتهم في الوطن الأم. يأتي ذلك في وقت لبنان بلا رئيس للجمهورية وفيما حكومته عاجزة عن معالجة مشكلة النفايات. 

من خلال زيارة لأبوظبي، يكتشف اللبناني كم بلده في الحضيض وكم اضاع ولا يزال يضيع الفرص… عن سابق تصوّر وتصميم، بما في ذلك فرصة تطوير الإنسان اللبناني وتوعيته اوّلا واخيرا!