عندما تنضج الحلول من روائح النفايات
«تسخين» الشارع بديلاً من «السخونة الأمنية»؟
ما زالت القوى السياسية اللبنانية ترصد خلفيات ومآل الحراك في الشارع، بعدما عبّرت الدول الغربية عن موقفها بتوصيفه انه «حراك عفوي وصادق»، مع اشارات تحذيرية من مغبة قمعه.
الى اين سيصل هذا الحراك؟ من أين تأتي هذه القدرة التنظيمية والفاعلية الكبيرة؟ مع العلم ان انخراط اليسار اللبناني بقوة في هذا الحراك، أدى إلى تغيير كبير في المشهد والأداء والعناوين المطلبية.. وكذلك في سحب كثير من الاتهامات التي صدرت بحق الحراك في بداياته.
في الوسط السياسي ثمة من يقول ان مطلب حل ازمة النفايات تم إنجازه. لكن هذا الوسط يتوقف عند المطالب الأخرى ومآلها: الاصلاح يحتاج الى اعادة تكوين الدولة. انتخاب رئيس للجمهورية ميدان القــرار فيه ليس داخلياً. أما الانتخابات النيابية، فإن هناك من يقول بانتخابات نيابية قريبة جدا، وهناك من يقول باجرائها بعد تمرير انتخاب رئيس جمهورية، وهذا الامر لم يحسم بعد…
كل ذلك يقود إلى الاعتقاد أن الاميركي لم يحسم توجهاته، لانه لو حصل ذلك لتسرّعت المسارات جميعها. يجزم أحد السياسيين في هذا السياق أن الاميركيين «الذين اشتروا ارضا كبيرة لانشاء سفارة ضخمة وبتمويل كبير، والذين اتفقوا مع الايرانيين وطمأنوا السعوديين، ويستمرون بعزل سوريا إلى أن يحين أوان البحث في وضعها.. كل ذلك يؤكد ان استقرار لبنان مستمر ومدعوم جديا من الداخل والخارج». ويضع السياسي نفسه انعقاد طاولة الحوار في سياق حالة الانتظار السائدة في المنطقة، وبهدف إبقاء المسار اللبناني مجمّداً عند النقطة التي بلغها.
لكن اللافت أن رصد ردود الفعل على انعقاد طاولة الحوار قد يكون أفرز المواقف الداخلية بما يعكس حسابات الخارج. هنا جاءت المفارقة بإعلان «القوات اللبنانية» رفضها المشاركة في الحوار، وهو ما فسرته بعض الأوساط على أنه موقف سعودي، خصوصاً أن تلك الأوساط تعتقد أن السعودية لم تعد تستخدم تيار «المستقبل» حصراً كواجهة للتعبير عن موقفها في بعض الملفات، بل «القوات اللبنانية» أيضا.
عملياً، كانت مشاركة «القوات اللبنانية» في الحوار تعني اكتمال عقد التفاهم الإقليمي الدولي بشأن الملفات اللبنانية، وفي مقدمها ملف رئاسة الجمهورية. إلا أن غياب «القوات»، كتعبير سعودي ربما، أو حتى كتعبير سياسي لا يمكن أن يكون ذاتياً، عطل إمكانية الاتفاق على إنجاز ملف رئاسة الجمهورية، وهو ما يعني أن الجهة التي تقف خلف قرار جعجع مقاطعة طاولة الحوار، لم تحسم بعد موقفها في هذا الخصوص، وكذلك في بقية الملفات اللبنانية، وهو ما يعني أيضاً عدم نضوج الحلول عربيا واقليميا ودوليا.
هل يعني ذلك أن مهمة الحوار ستقتصر على سحب الصراع من الشارع الى الطاولة؟ إذا كان ذلك هو الهدف، فإن الراجح أن الحراك المدني لا يمكن سحبه لانه ليس مرتبطاً بالقوى السياسية المتحاورة بل بقدرته على الاستمرار في الساحة.
هنا تحديداً يرمي المدافعون عن الحراك بتهمة «الارتباط بالخارج» إلى القوى السياسية التي لا يمكن لها أن تتحرك داخلياً إلا في سياق هامش ضيّق، ومسار حركتها السياسي يرتبط إما بمباركة أو بقرار اقليمي او دولي. في حين أن حراك الشارع، وبعيدا من تشريحه او تشريح بعض محركيه على مستوى الاشخاص، ما زال بريئاً من تهمة الارتهان.
ولأن الرهــان على «انفجــار الشارع» لإنتاج حلول داخلية يبدو خياراً بديــلاً من تفجــير امني ـ سياسي، فإن الاستثمار في حراك الشارع ببعده المطلبي يبدو أقل كلفة وقد يؤمن الضغط المطلوب لانتخاب رئيس للجمهورية.
في مطلق الأحوال، فإن هناك من يجزم أن ازمة النفايات مخطط لها، لان الجميع كان يعلم انه في 17 تموز الماضي سيقفل مطمر الناعمة ولم يتم اتخاذ اي اجراء لاستباق الازمة. هؤلاء يعتقدون أن روائح النفايات تستخدم لإنضاج الاستحقاقات المعلّقة.. وهنا تكمن القطبة المخفية في التعويل على النفايات لتسخين الحلول بدل السخونة الأمنية لفرض الحلول.