IMLebanon

«الهليكوبتر».. آخر الوصفات لمعالجة الركود

ألقت الأزمة المالية العالمية وتداعياتها بظلالها على الاقتصاد العالمي واستدعت وسائل عديدة في محاولة من المصارف المركزية العالمية لمعالجة امور عديدة سيما انخفاض التضخم وضعف النمو.

السياسات التي اتبعت حتى الان معالجة التضخّم وانخفاض النمو ، واعادة الاقتصاد الى ما كان عليه قبل الأزمة المالية لم يعط نتائج تذكر مثل عملية التيسير الكمي وخفض اسعار الفؤائد مما دفع المصارف المركزية الى التطلع نحو عملية ضخ المال بشكل أو بآخر، سيما طباعة النقود لتحويل الانفاق الحكومي او اعطاء الناس نقدا وهذا ما يسمى بالهليكوبتر.

وقد وصف دراغي حاكم البنك المركزي الاوروبي هذه العملية بالمهمة جدا سيما وان الركود ما زال سائدا والتضخّم منخفض مما يعني ان الحكومات قد تلجأ الى هذه العملية كمحاولة اخيرة لدعم الاقتصاد وتنشيطه.

أحد ابرز الأسئلة المتعلقة بالاقتصاد العالمي اليوم هو ما اذا كانت السياسة النقدية اقتربت من نهاية فعاليتها سيما أن معدل التضخم ما زال اقل من المستهدف في منطقة اليورو واليابان مع سياسة تيسير كمي عدوانية وفوائد سلبية، ومع تحسّن اليورو والين مقابل الدولار منذ بداية العام الحالي.

وتبقى محاولات المصارف المركزية غير ناجعة في دفع الاقتصاد وطباعة تريليونات لشراء سندات الحكومة- لذلك يبقى الحل الأخير «اموال المروحية» وهو مفهوم مستوحى من ميلتون فريدمان عام ١٩٦٩ والذي قال فيها ان المصارف المركزية يمكنها دائما زيادة عرض النقود وتخليص الاقتصاد من مصيدة الانكماش. اما دعاة «مال المروحية» (Helicopter money) فيختلفون في النظر الى نتائجها.

وفيما يرى البعض ان هذه السياسة يمكن ضبطها دون إلحاق ضرر ملموس بالاقتصاد، يرى آخرون فيها نقلا خطيرا للأموال من ميزانيات الحكومات الى ميزانيات المصارف المركزية مع عدم وضوح في الخطوط الفاصلة بين السياسات والمؤسسات واستقلاليتها النسبية.

ورغم التفاوت في التوجهات يبقى القول ان مجرد الكلام عن مروحية المال يبين مدى يأس المصارف المركزية في قدرتها على انعاش النمو ورفع مستويات التضخم والدفع بالاقتصاد الى الامام.

يقول خبراء في المجال الاقتصادي ان اليابان التي تحاول مكافحة الانكماش من المحتمل ان تنظر في امكانية استخدام هذه الطريقة، كذلك البنك المركزي الاوروبي رغم ان دراغي صرح في مؤتمر صحافي ان هذه العملية محفوفة بالمخاطر وفيها صعوبات قانونية ومؤسسية.

وقد تكون اهم هذه العقبات جديرة بالذكر ومنطقية في الواقع سيما انه سوف يقرّر مقدار هذا المال وكيفية تنفيذ هذه العملية. كذلك هناك خطر التشابُّك استقلالية المصارف المركزية.

في حديث له قال برنانكي، حاكم الفيدرالي السابق «ان مروحية الاموال» يمكنها ان تبرهن انها اداة قيمة، وقد تكون افضل بديل في الظروف القاسية، لكن يبقى من السابق لاوانه اصدار حكم عليها».

انما وجب التنويه هنا انه ومع فقدان السياسة النقدية التقليدية او غير التقليدية لفعاليتها وقدرتها على نشل الاقتصاد من ركوده باتت هذه الفكرة واردة واصبحت تُناقش على نطاق واسع. لذلك ومن غير المستبعد ان تكون مروحية المال المحطة التالية المصارف المركزية بعدما استنفدت معظم الوسائل لديها في تحفيز الاقتصاد ورفع مستوى التضخم.

ترتبط «مروحية المال» بفكرة زيادة دائمة للقاعدة المالية تتخطى القنوات المصرفية عن طريق تحويل مباشر للأموال بشكل اوراق نقدية تهبط وبشكل مجازي من السماء وتتطلب تعاونا وثيقا بين البنك المركزي ووزارة المال وقد يكون الامر سهلا في الكلام اما تطبيقه يبقى صعبا بعض الشيء لأنه قلما يتحرك المركزي والحكومة بنفس الطريقة.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل فقدت اوروبا واليابان الوسائل الضرورية لتحفيز الاقتصاد وهل دخلنا في عقد ثالث من التراجع والانكماش سيما وان سياسة المروحية المالية لن تعتمد لغاية الآن وقد تكون مخاطرها اكثر من حسناتها مما يعني انها في معظم الأحوال مجازفة من قبل الحكومات بعد فقدانها جميع الوسائل التقليدية وغير التقليدية؟

يبقى امر المشككين في فعالية هذه السياسة سيما وان السياسات الأخرى قد فشلت اذا صح التعبير في اعادة الامور الى ما كانت عليه سابقا. هكذا نرى اليابان، وللعقد الثالث على التوالي، في مراحل انكماش وتراجع تتبعها اوروبا التي ورغم جميع محاولاتها تبقى تعاني من مشاكل اساسية لن تقدر على تخطيها مما يدخلها في زمن انكماش يشابه الى حد بعيد الانكماش الياباني- والعالم المتقدم وفي طور النمو على الوتيرة نفسها مع تراجع اسعار النفط ومدى تأثيره على الدول المنتجة التي تعاني من تراجع مستمر في اقتصاداتها، كذلك الدول الناشئة.

لذلك قد يكون الحديث اليوم عن عامل المروحية هو الرائد في ظل فشل سياسات التيسير الكمي وصفرية اسعار الفوائد. وفي حديث اواخر الشهر الفائت لـ HSBC جاء انه وفي حال فشل سياسات المصارف المركزية لا بد لها من اتباع وسائل اخرى مثل سياسة اقل صرامة و«مال المروحية».

أخيرا، يبقى القول ان المصارف المركزية فقدت الكثير من الوسائل التي تساعدها في تحفيز الاقتصاد وما تبقى حسب الاقتصاديين رهن بامور عدة مالية واقتصادية وقد تكون في مطلق الاحوال غير كافية- لذلك نرى الاقتصاديين في حيرة من امرهم كونهم استنفذوا جميع الوسائل ولم يبق امامهم سوى «مال المروحية» وهي كذلك عملية غير مضمونة وتعرض الاسواق للمخاطر.