في نهاية طاولة الحوار الاول الذي عقد برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبحضور جميع قادة الاحزاب الرئيسة في البلاد، بمن فيهم السيد حسن نصرالله، كانت المفاجأة ان الحاضرين خرجوا بقرارات عدّة تتناول جميع القضايا الخلافية، لو تم تنفيذها وفق ما تم التفاهم عليه، كان لبنان اليوم بألف خير، وكان ايضاً يمكن ان يكون اليوم بألف خير، لو تم احترام وتنفيذ ما تم التفاهم عليه في آخر جلسات الحوار التي عقدت برئاسة الرئيس العماد ميشال سليمان، في ما اطلق عليه «اعلان بعبدا»، ولكن الذين فشلّوا مقررات الحوار الأول، فشلّوا ايضاً مضمون «اعلان بعبدا» قبل ان يصيح الديك، وادخلوا لبنان في المأزق الذي يعيشه اللبنانيون اليوم، ولا يعرفون سبيلاً او مخرجاً للخروج منه، قبل ان يقع المحظور وتنهار الدولة من الرأس الى القاعدة.
الرئىس بري المعروف بالساحر الذي يجيد تعقيد الامور وايجاد الحلول لها، يحاول، ربما للمرة الاخيرة، تجربة حظّه في دفع المتحاورين لمدة ثلاثة ايام قابلة للتمديد، الى استيعاب خطورة المرحلة التي يمرّ بها لبنان، معتمداً على رغبة ما تبقى من قوى 14 آذار، في اعادة الروح الى مفاصل الدولة، واعادة احياء اتفاق الطائف، وعلى رغبة قوى 8 آذار بتبييض صفحتها، وازالة التهمة الملصقة بها بأنها تقف وراء تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ودورها في شلل مؤسسات الدولة وضرب علاقة لبنان بالاشقاء العرب، وسعيها الى فرض مؤتمر تأسيسي، يكون منطلقاً الى نسف اتفاق الطائف، او تعديله، والعدو الاساس الذي يخشاه بري ويحذّر منه هو التصلبّ عند فريق يملك الفيتو، ما يهدد «بفرط» طاولة الحوار، وعندها «الله يستر» كما يقول الرئيس بري.
****
اذا اجرينا استطلاعات للرأي عند المواطنين وعند النواب والسياسيين، نخرج بنتيجة واحدة على الارجح، ان الحوار هذه المرّة، سيكون كغيره، عبارة عن طبخة بحص، على الرغم من ان برّي يحاول تجميل صورته بالتأكيد على اتفاق الطائف، وان الهدف هو التوافق على سلة تفاهمات كما حدث في اتفاق الدوحة، على الرغم من ان الاوضاع تختلف تماماً عما كانت قبل تفاهم الدوحة.
سلّة التفاهم التي يقصدها بري، لن تدخل في القضايا الخلافية الأساسية، مثل الخلاف على السلاح خارج الشرعية، والتدخل العسكري لبعض الاطراف في سوريا، وتشكيل ما يسمّى بسرايا المقاومة، والهجوم على بعض الدول العربية، بل هي سلّة محددة الحجم تبدأ بالتفاهم على رئىس للجمهورية، ورئيس للحكومة، وقانون للانتخابات النيابية يراعي هواجس كل فريق، وقد يتطرق البحث الى التفاهم على عدد من الحقائب الوزارية، حتى لا تغرق البلاد مرّة اخرى بفراغ حكومي لمدة اشهر بسبب الخلاف على بعض الحقائب الوزارية، ويعقتد مطلعون على مواقف الرئيس برّي، ان العقدة الاساس تكمن بالاتفاق على الرئىس، وهل ان القوى الاقليمية والعربية المؤثرة في لبنان، على استعداد لقبول ما يتفق عليه اللبنانيون، ام ان ورقة الرئاسة اللبنانية لا تزال ورقة مؤثرة في خطط التفاوض مع القوى الدولية الفاعلة في مستقبل دول العالم العربي والشرق الاوسط؟؟
حوار الايام الثلاثة بدأ امس ويستمر الى الغد، اللبنانيون المتعبون من السياسة والسياسيين، وينظرون بقلق الى المستقبل، يتمنّون لو ينجح الحوار، لكن التمنّي شيء، والتجارب على الارض شيء آخر، وحتى يثبت العكس، فان جملة اليوم التي يتم التداول بها: مرحبا حوار….