IMLebanon

مرحبا… إستقلال

شعب يمزّق ألف جلال حتى ينال استقلالو وشعب يخون الإستقلال حتى يحافظ عَ جلالو

أديب حداد (أبو ملحم).

طيَّبَ الله ثرى البطريرك الياس الحويك، الذي تكبّد مشقة السفر الى مؤتمر الصلح في باريس للمطالبة باستقلال لبنان وإعادة الأجزاء المسلوخة عنه.

وأسكَنَ الله البطريرك أنطوان عريضه فسيح جنانه، وهو الذي أرهق نفسه جاهداً في معارج بنيان هذا الإستقلال وتثبيت كيانه.

ذلك، لأن استقلال لبنان كان يعني أكثر ما يعني الموارنة والمسيحيين عموماً، في وطن أشبه ما يكونون فيه بنقطة زيت يتجاذبها خضمّ شاسع هائج، فيما غير المسيحيين، منهم من كان يطالب بضم أجزاء من لبنان الى سوريا، ومنهم من كان يعلن ولاءه الأعمق الى الأمة العربية فوق ما هو انتماء نهائي الى وطن إسمه لبنان.

والموارنة الذين خصَّهم الدستور برئاسة لبنان كضمانة اطمئنان لهم، تربعّوا على كرسي الجمهورية بما كان لهم فيها من صلاحيات دستورية تشابه سلطة أصحاب الجلالات وفق شريعة التفويض الإلهي والأحكام المستوحاة من مشيئة الله.

وبدل أن يوظف الرؤساء الموارنة سلطات «جلالاتهم» في ترسيخ أسس الإستقلال وشدّ أواصر الوحدة الوطنية في بُنْيةٍ اجتماعية معافاة، راحوا، ومنذ أن كانت الجمهورية، يسخّرون الصلاحيات الرئاسية في مجالات التصارع الماروني على الكرسي الماروني بين بشارة الخوري واميل إده، حتى أصبح هذا الصراع إرثاً يتوارثه من بعد، كل من توالوا على سدة الرئاسة ويمارسونه منافسة حادّة بما يشبه القمع.

وحتى لا يؤنّبنا التاريخ، لا بدّ من أن نستثني الرئيس فؤاد شهاب الذي انتهج سياسة وطنية متوازنة وأحدث في الدولة مؤسسات وإنجازات ارتقَتْ بها الى مصاف متقدم من التطور والتنظيم، إلا أن الطبقة الحاكمة بعد فؤاد شهاب ما لبثت في تخلّفها أن اصطدمت بإنجازاته فأسقطتها وأسقطته.

بعض من الموارنة آخر، كان يتمنى استمرار الحكم الفرنسي معترضاً على ثورة الشيخ بيار الجميل في مواجهة الإنتداب، وفي اعتقاده أن هذا الإستقلال لن يؤمن الضمانات المتوخاة، وسيظل معرضاً للإهتزاز لأنه لمْ يكن نتيجة استحقاق للنضج الشعبي الوطني.

إلا أن الحقيقة التاريخية، هي أن الموارنة قد تعاملوا مع الإستقلال على أنه يعني كرسي الرئاسة، وبفضل ذلك خسر الموارنة صلاحيات هذا الكرسي في دستور الطائف، وهم بفعل «دستور» صراعات الإرث التاريخي المتوارث يكادون اليوم يخسرون الكرسي والصلاحيات معاً.

ولست أدري مع هذا، ما إذا كان الإستقلال لا يزال يعني ضمان الإطمئنان للمسيحيين، وما إذا كان البطريرك الحويك والبطريرك عريضة والشيخ بيار الجميل، كانوا حقاً يدرون ماذا يفعلون.