لأن وليد جنبلاط لا يؤمن بعهود الرؤساء الموارنة الاقوياء، ولأن الابتزاز بنظره لا يوصل صاحب الفخامة الى قصر بعبدا، ولأن المرحلة تقتضي رئيسا يدير الازمة ولا يحلّها.. كان هنري حلو.
منذ اللحظة الأولى لإعلان ترشيح «رجل الحوار والاعتدال» من كليمنصو في 22 نيسان الماضي ورئيس «جبهة النضال الوطني» على رأيه. إذا كان «البيك» كذلك، فكيف بالاحرى صاحب العلاقة؟
نائب عاليه تسكنه الطمأنينة والمزاج الرايق. صحيح انه لا يرى بصيص أمل بإمكانية انتخاب رئيس للجمهورية في المدى القريب، إلا انه عندما يطلّ الرئيس سعد الحريري لنعي حظوظ المرشّحين الموارنة التقليديين لمصلحة اسم توافقي، يحقّ لنائب عاليه ان يضع يديه في المياه الباردة «جميع اصدقائي والمحيطين بي يقولون ان حظوظي باتت اكبر وبروفيلي ينطبق مع مواصفات الرئيس التوافقي المطلوب. ترشيحي مستمر ويتمّ التداول به جديا الى جانب سبعة او عشرة اسماء جدية بمن فيهم القادة الموارنة الاربعة».
منذ البداية فاتح حلو اللبنانيين بحقيقة سلّم بأنهم يجهلونها. الرئيس القوي هو الذي يجمعهم الى طاولة الحوار. فكيف إذا كان حفيد ميشال شيحا أحد بناة الكيان اللبناني وعراب الدستور، والذي قال عنه الرئيس شارل حلو يوما بأنه «الاسم الآخر للبنان».
طموحات الحفيد اليوم أقل بكثير. لا يزال حلو يراهن على ان يكون «الاسم الآخر» للتوافقية الضائعة في زواريب المفاوضات النووية الايرانية وحسابات التنظيمات الارهابية ومفاتيحها في المنطقة وشدّ الحبال المستمر بين المسيحيين أنفسهم ثم مع شركائهم في السلطة.
يقول لـ«السفير»: «لا أملك كتلة من 30 نائبا، لكن كتلتي رشّحتني ولديّ حيثية مسيحية استمدّها من تاريخي في العمل السياسي والقطاع الخاص، وتاريخ والدي بيار حلو وجدي ميشال شيحا، كما أفتخر بنزاهتي وشفافيتي».
في انتخابات 2009 نجح حلو بأصوات 12% من الموارنة مضافا اليها بلوك الاصوات الدرزية. تفصيل صغير حين تقرّر المختارة «دوزنة» اللعبة الرئاسية ونزع ثوب مرشح التحدي عنها.
بهذا المعنى لا يوافق النائب حلو العماد ميشال عون على تمسّكه بمعيار التمثيل المسيحي الواسع في انتخابات الرئاسة، متسائلا «اين المعيار التمثيلي الشعبي حين يخلف نجيب ميقاتي سعد الحريري في رئاسة الحكومة ثم يليه تمام سلام؟. هذان لا يملكان حثيثية سنية أكثر من الحريري لكنهما أتيا على بساط التوافق».
بالتأكيد سيسقط من حسابات حلو هنا تمرّده على قرار جنبلاط، مع ثلاثة من نواب «اللقاء الديموقراطي» في كانون الثاني عام 2011، حين سمّى سعد الحريري في استشارات التكليف بدلا من نجيب ميقاتي، خيار البيك آنذاك.
لا يعني شيئا في قاموس هنري حلو أن الاصوات الـ16 التي نالها في الجلسة اليتيمة لانتخاب رئيس للجمهورية في 23 نيسان الماضي هي مؤشر لضرورة انسحابه من معركة الحسابات الكبيرة. «لم انسحب يومها حتى لو نلت صوتا واحدا، ولن انسحب اليوم إلا إذا اتفقوا على اسم توافقي آخر.. وقد يتفقون عليّ».
راهن جنــبلاط دومــا على ان اصــوات التشكيك لا يمكن ان تغيّب جذور حلو المسيحــية والوطنــية. هذا ما يراهن عليــه أيضــا مرشّح المخــتارة لرئاسة الجمهورية.
واكب نائب عاليه بارتياح تجاهل جميع القوى السياسية مبادرة عون الاخيرة القاضية بحصر الترشيح بينه وبين سمير جعجع، ثم دعوة الحريري «حزب الله» لتخطي حاجز القادة الموارنة، فانتعشت آماله بالمستقبل: «انا انتمي الى خط يؤمن بالانفتاح والحوار مع الجميع ومقبول من كل القوى. وانا معني بلائحة الاسماء التوافقية التي تحدث عنها الشيخ سعد بعد اعترافه بأن لا حظوظ للمرشحين المعلنين عون وجعجع».
حتى اللحظة لا يظهر من فريق عمل الرئيس «المحتمل» سوى مستشاره الاعلامي باسم الحاج. يداوم حلو بين مجلس النواب ومكتبه في الحازمية حيث يتابع مشاريعه الهندسية وخدمات الناخبين في عاليه. يتنقل بسيارته الخاصة من دون مواكبة، ويزعجه تكبير بعض المسؤولين السياسين حجر التهديدات الامنية ليبرّروا حجم المواكب المضخّمة التي تظلّل تحركاتهم.
لا يحبّذ الدخول في لعبة الاسماء من باب تزكيته لاسماء تستأهل الجلوس على كرسي بعبدا، لكنه بالتأكيد ضد تعديل الدستور للاتيان برئيس للجمهورية. إذاً، قائد الجيش جان قهوجي، بنظره، خارج المنافسة. لكن ماذا عن مخالفة 95 نائبا للدستور بإقرار التمديد؟ يردّ: «المصلحة العامة ومصلحة البلد اقتضتا ذلك».
لا برنامج رئاسيا لمرشّح جنبلاط. الزبدة تؤخذ من المواقف المعلنة وأحاديث الاذاعات والتلفزيونات. لكن ماذا عن رأيه بسلاح «حزب الله» في حال انتخابه رئيسا؟ يقول «للسلاح نقاط قوة ونقاط ضعف». لا داعي للحديث عن نقاط الضعف المعروفة سلفا، لكن حلو يشير الى ان «نقاط القوة تكمن في كونه سلاحا رادعا بوجه العدو الاسرائيلي. وهذا السلاح نفسه هو الذي ساعدنا داخل الحدود كما حصل خلال أحداث بريتال الاخيرة».
والى أي مدى يستطيع هذا السلاح ان يكون فعّالا في مواجهة التنظيمات الارهابية داخل الحدود وخارجها؟ يردّ «يطرح هنا موضوع الاستراتيجية الدفاعية الآنية التي قد تفرض علينا السير بها بحسب تطورات الحرب بوجه الارهاب. وهنا يعود للجيش وحده تقدير مدى الخطر المحدق وإمكانية استعانته بقوة حزب الله لمساندته في الدفاع عن البلد من خطر التكفيريين، شرط الا يؤدي ذلك الى مزيد من الاحتقان السني ـ الشيعي».
وعن رأيه بالحوار المنتظر بين «المستقبل» و«حزب الله» يقول «الحوار مطلوب، لكن لا يجب ان يبقى ثنائيا بل ان يشمل كل الاطراف للوصول الى نتيجة. وأتحدث هنا عن انتخابات رئاسية وقانون انتخاب وحكومة، اي سلّة كاملة». أما رئاسة الجمهورية، فبرأيه «بدّها وقت».