تبالغ تلك القوى السياسية التي تحيط نقاشات قانون الانتخابات بجدار من الشكوك حول نيات مبيتة تكمن في طيات “الورشة الاصلاحية”، في مخاوفها مما تخبئه إدارة جلسات اللجان المشتركة التي وضعت يديها على اقتراح كتلة “التحرير والتنمية”.
إذ تدرك هذه القوى التي يجتاحها القلق من تمدد الشيعية السياسية في شرايين النظام اللبناني ربطاً بتغيّر موازين القوى داخلياً وإقليمياً، أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سارع بعد ساعات قليلة من ولادة برلمان 2018 إلى المجاهرة أمام نواب، من مشارب سياسية متنوعة، أنّه سيدعو فور استقرار الوضع السياسي، إلى وضع قانون الانتخابات على مشرحة النقاش الجدي، بعدما أثبتت الممارسة الانتخابية للقانون الحالي وجود ثغرات كثيرة يفترض معالجتها.
وهذا ما يعني أنّ الورشة التي تقودها كتلة “التحرير والتنمية” ليست مفاجئة أو مباغتة، ويعرف النواب جميعاً أنّ رئيس المجلس وعد بفتح باب الحوار من جديد على مصراعيه بحثاً عن آليات توافقية من شأنها الارتقاء بقانون الانتخابات وتنقيته من شوائبه. وبالتالي، تعرف مكونات السلطة، التي يعترف معظمها بجوانب مشوّهة تعتري القانون الحالي القائم على أساس 15 دائرة وعلى أساس النظام النسبي والصوت التفضيلي الواحد، أنّ ورشة تعديل القانون شرّ لا بدّ منه، عاجلاً أم آجلاً.
وبالتالي، إنّ الانطلاق في هذا المشروع قبل نحو سنتين من موعد الانتخابات النيابية، هو أمر بديهي لا بل منطقي كي لا تُحرق النقاشات تحت وطأة ضغط الوقت والروزنامة الدستورية… من دون أن يعني أنّ ثمة فريقاً، والمقصود به الثنائي الشيعي، قرر “توريط” بقية السياسيين في مستنقع قانون الانتخابات، وفق مخطط مرسوم يُراد منه نسف القانون الحالي لتكريس هيمنة الشيعية السياسية في النظام السياسي من بوابة قانون الانتخابات، كما يقول نائب مخضرم يشارك منذ سنوات في الطبخة الانتخابية.
ومع ذلك، تبدي القوى السياسية غير الشيعية، أي المسيحيون والسنة والدروز خشية دائمة من أي طرح من شأنه الاقتراب من قانون الانتخابات. الكل يخاف على “مكتسباته” من القانون، وينتابه الذعر من أي تعديل قد يقضم من نفوذه. ومن الطبيعي أن يثير اقتراح “التحرير والتنمية” نقزة بدت جلية على وجوه النواب الذين شاركوا أمس في اجتماع اللجان المشتركة.
السؤال الأبرز الذي تجاوز كل الخلافات القائمة بين الموجودين هو: لماذا دائرة انتخابية واحدة؟ وكيف يمكن تعويض غياب الصوت التفضيلي؟ وما آليات احترام الخصوصية الطائفية والمذهبية؟
يقول أحد النواب العونيين، بدايةً، إنّ فريقه السياسي لا يشعر بأي نيّات مبيّتة قد تكمن في خلفية فتح ملف دسم كملف قانون الانتخابات. بالنسبة اليه، كانت الورشة منتظرة منذ أشهر خصوصاً وأنّ معظم القوى السياسية والأحزاب اشتكت من “عورات” شابت القانون الحالي وقد تجلّت في الممارسة، وكان لا بدّ بالتالي من وضعها تحت المجهر. وقد حانت الساعة.
ويشير إلى أنّ هذه العورات أو الشوائب لا تستدعي أبداً “شيطنة” القانون الحالي الذي أثبت أنّه كان سدد نقلة نوعية وأنّه أكثر القوانين التي عرفها اللبنانيون، تأميناً لعدالة التمثيل، وفيه الكثير من الجوانب الإيجابية الجيدة التي لا بدّ من حمايتها والحفاظ عليها.
في المقابل، فقد تسبب الصوت التفضيلي بمعارك قاتلة محوّلاً المنافس إلى حليف والصديق إلى خصم. كما أنّ سقف الانفاق الانتخابي الذي سمح به القانون، تحكّم في مفاصل اللعبة في كثير من الأحيان بسبب القدرات الهائلة لـ”حيتان المال” التي “فعلت فعلها” في جيوب الناخبين وأصواتهم.
بالموازاة، يلفت النائب العوني، إلى أنّه لا يمكن تحميل القانون الانتخابي مسؤولية اشتداد الخطاب المذهبي والطائفي، كونه جزءاً من ثقافة اللبنانيين ونظامهم السياسي، ولو أنّ القانون صبّ الزيت على النار. ولكن العلّة في الأساس، وليس في النتيجة.
وبالتالي، إذا تمكّن مجلس النواب من تطوير هذا القانون وتحسينه والتخفيف من عيوبه، فيكون بمثابة زيت على الزيتون. ولهذا يعتبر النائب العوني أنّ فريقه السياسي لا يمانع أبداً في فتح باب الحوار على أساس العمل على تطوير القانون الحالي، وليس على أساس نسفه والانطلاق من الصفر وإلا سيكون المجهول حتمياً، مؤكداً أنّ تحسين القانون سيواجه الكثير من التحديات، فكيف بالحري تغييره.
ويرى أنّ إلغاء الصوت التفضيلي فيه مغامرة كبرى من شأنها أن تهدد الخصوصية المذهبية، وهذه علّة النظام اللبناني وتركيبته، كما أنّ الانتقال إلى مرحلة الصوتين التفضيليين فيه مخاطرة كونه سيعطي الأغلبية المذهبية في بعض الدوائر قدرة على التحكم بأكثر من مقاعدها (أسوة بالصوت السني في دائرة زحلة)، ما سيعرض الاقتراح للرفض.
أما بشأن عدد الدوائر، فيؤكد أكثر من معني بهذا الملف أنّ كتلة “التحرير والتنمية” لا تتعامل مع اقتراحها على أنه منزل وغير قابل للنقاش، ويؤكدون أنّ عدد الدوائر مفتوح على النقاش بالتوازي مع الحوار المشرّع حول مصير الصوت التفضيلي.