على الرغم من الأجواء الإيجابية التي حاوَل تعميمها الرئيسان فلاديمير بوتين ودونالد ترامب بعد قمّة هلسنكي، إلّا أنّ مواقفهما الضبابية حيال الملفات الأكثر سخونة على الساحة الدولية تشير إلى أنّ اللقاء لم يتعدَّ محاولة كسرِ جليدِ العلاقات بين القطبَين الدوليَين.
كما أنّ حملة الانتقادات التي يواجهها ترامب من قبَل عددٍ مِن سياسيّي الصف الاوّل في الولايات المتحدة الاميركية تعكس عمقَ الأزمة داخل الكونغرس وانعدامَ الثقة بإدارة ترامب للملفّات الخارجية، وهو ما تجسّد بطلبِ بعضِ أعضاء الكونغرس باستدعاء المترجمة مارينا غروس التي حضَرت الخلوة بين الرَجلين لمعرفة حقيقة وفحوى النقاشات التي دارت بين الرئيس الاميركي ونظيرِه الروسي في هلسنكي. أمّا في ما يتعلق بالدائرة المصغَّرة لترامب، فمِن الواضح عدم نضوج فكرةِ التقارب مع روسيا على قاعدة تقاسم النفوذ على المسرح الدولي داخل أسوار البيت الابيض، الأمر الذي سيضع الرئيس الاميركي في مواجهة مع مؤسسات حكومية كبرى، لا سيّما أنّ الانتقادات وصَلت إلى حدّ تخوينِ الرجل واتّهامه بالاستسلام لبوتين.
أمام التصعيد الداخلي بوجه ترامب، عمَّ الهدوء كافة الدوائر السياسية الروسية، حتى إنه انطبَق على الشخصيات والأحزاب المعارضة لبوتين وللسياسة الاميركية عموماً. لكنّ ذلك لا يعني، وفقَ مصادر ديبلوماسية روسية رفيعة المستوى، الموافقةَ على مضمون اللقاء من دون الكشف عن مصالح موسكو الجيوسياسية في عقدِ صفقةٍ مع واشنطن، وبخاصة ما يتعلّق بالملفات الحسّاسة التي تطال روسيا بشكل مباشر.
وتؤكّد المصادر أنّ التوافق حول بعض القضايا بين الرَجلين كان شفهياً ولم يخرج عن إطار مواصلة المشاورات بين المؤسسات المعنية في البلدين لإيجاد قواسم مشتركة تحضيراً لعقدِ الصفقات السياسية. ولا تُعوّل المصادر على إمكانية إحداثِ خرقٍ في عملية ترتيب العلاقات بين موسكو وواشنطن انطلاقاً مِن التجارب السابقة وازدواجية المعايير المتّبَعة في السياسة الأميركية، وهو ما بدأ يَظهر من خلال إعلان ترامب في حديث تلفزيوني عقبَ عودتِه من لقاء بوتين بأنه يثق باستنتاجات أجهزة بلاده الاستخباراتية، التي تشير إلى وجود الأثر الروسي في الانتخابات الأميركية عام 2016، وأنّ بوتين يتحمّل شخصياً المسؤولية على الرغم من نفيِ الرئيسِ الروسي تلك المزاعمَ وإعلانِه الاستعدادَ لتسهيل عملية التحقيق مع المشتبَه بهم في هذا الملف داخل الأراضي الروسية.
وتتوقّف المصادر عند عدمِ التطرّق للأزمة في شرق أوكرانيا رغم أهمّيتها، والاكتفاء بتناولِ انضمام شِبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، ما يعني أنّ المفاوضات مع واشنطن لا تزال في بدايتها، على اعتبار أنه الملف الأكثر حساسية بالنسبة لموسكو، نظراً لِما له من انعكاسات على الداخل الروسي وعلى الأمن القومي للبلاد.
أمّا في ما يتعلق بسوريا، فترى المصادر أنه ليس لدى الكرملين ما يقدّمه لترامب سوى خروج مشرّف من هذا الملف من خلال التنسيق للعِب دور محدّد في رعاية التسوية السياسية للأزمة، بعدما بات الميدان يتحدّث بلغة روسيا وحلفائها على الأراضي السورية.
وتختم المصادر بالتأكيد أنّ السفير الروسي لدى واشنطن باشَر اتّصالاته بالمؤسسات الحكومية هناك لتحديد الإجراءات الضرورية التي يجب اتّخاذها من الجانبين لترجمة الأفكار التي تَوافَق بوتين وترامب على محاولة تذليل العقبات من أمامها عسى ولعلّ يجري العمل على تنفيذها.