النتيجة الأوضح التي انتهت إليها قمة الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين كانت الاتفاق على أفق التسوية في سورية تحت سقف المصالح الأمنية الإسرائيلية. وفي المؤتمر الصحافي الختامي للرئيسين إثر اجتماعهما المطول في هلسنكي كانت الفقرة الخاصة بسورية التي وردت على لسان ترامب شديدة الوضوح : صحيح أن الحديث يدور عن سورية لكن أمن إسرائيل هو جوهر الموضوع، وقد اتفق الزعيمان تماماً على مراعاة أمن الدولة العبرية في أية ترتيبات داخل سورية، وهو ما تم تنفيذه واقعياً في معركة الجنوب التي انتهت إلى تثبيت مواقع الجيش السوري في النقاط التي كان يحتلها قبل اندلاع الثورة عام 2011 لضمان تنفيذ ترتيبات وقف إطلاق النار في الجولان المحترمة منذ 1974.
عندما شرح ترامب هذه النقطة التوافقية في شأن سورية، لم يعلق بوتين، في إشارة رضى وموافقة. وفي المقابل استفاض بوتين في الجواب عن أسئلة موجهة أصلاً إلى نظيره الأميركي. شرح موقف واشنطن من القرم والتقط انتقاد ترامب أهم أجهزة الاستخبارات الأميركية وعودته إلى رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية… ليمضي في مرافعة «قانونية» تجعل القضاء في روسيا جاهزاً للاستماع للمتهمين والمحققين الأميركيين في مسألة تدخل موسكو في الانتخابات الأميركية. وأوحى السياق العام لسلوك الرجلين، للمشاهدين والمراقبين، أن الزعيم الأميركي استسلم كليًا للزعيم الروسي، وبدا مشهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين إلى جانب نظيره الأميركي بيل كلينتون وقد استعيد بالمقلوب: في هلسنكي حل بوتين محل كلينتون وحل ترامب محل يلتسين…
عرف ترامب، وهو مضطر للاعتراف، أن مواقفه الفنلندية الخاصة بالوضع الأميركي الداخلي يصعب قبولها وهضمها. فسارع فور عودته إلى واشنطن إلى الإشادة بأجهزة المخابرات الأميركية، ولم يستبعد مسؤولية بوتين شخصياً عن التدخل في الأنتخابات الأميركية. ومن دون أوهام حول وقف المواجهات السياسية الأميركية الداخلية، فإن ترامب سعى إلى وقف الهجوم المضاد على سلوكه في هلسنكي والذي استعملت فيه تعابير قاسية جداً بحقه على لسان سياسيين ومسؤولين أميركيين من مختلف التوجهات.
الجدال الداخلي سيستمر. لكن الأهم في منطق تاجر العقارات المقيم في البيت الأبيض انه نجح في صفقة «عقارية» اسمها سورية ضمن مشروع أكبر سماه «صفقة القرن» يطرحه البيت الأبيض في شأن مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي. وفي دمجه، بموافقة روسيا، بين أمن إسرائيل والتهدئة في سورية، وربما التسوية فيها لاحقاً، وبين إخراج إيران من هذا البلد، يكون ترامب قد حقق هدفاً مهماً لم يخف سعيه إليه منذ ترشحه إلى الرئاسة، وهو إبعاد إيران أو ضبط سلوكها من جهة، وإرساء «سلام» يريح إسرائيل من جهة ثانية. وفي هذا الاتجاه يواصل ترامب سعيه، ومحطته في الخريف المقبل مع مزيد من الضغوط على إيران، قد تكون حصيلتها تبديل صورة المنطقة تماماً. ومعها صورة ترامب المرتبك أمام ضابط المخابرات السوفياتية السابق.