من الرياض الى السراي الكبير خيط ليس رفيعاً، إنما هو متين إسمه: الثقة. وما بقيت هذه الثقة موجودة وقائمة ومغذّاة باستمرار فإنّ لبنان سيكون بألف خير في هذا العهد العوني الذي حمل ويحمل تباشير الخير الى لبنان واللبنانيين وأيضاً الى محبّي هذا البلد الذي درجنا على توصيفه (ها هنا) بالوطن الصغير المعذّب.
فعساها نهاية العذاب، أو أقله بداية النهاية لهذا العذاب الدهري والذي بلغ ذروته، ولا يزال فيها، منذ العام 1975.
نقول ما تقدم في ضوء الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس العماد ميشال عون الى المملكة العربية السعودية، وفي ضوء ما تضمنه حديث الرئيس سعد الحريري الى النقيب عوني الكعكي والوفد النقابي، أمس، في السراي الكبير. وكانت الثقة عنواناً واضحاً، بارزاً، في المناسبتين:
في الرياض قال الملك سلمان بن عبد العزيز لرئيسنا: ثقتنا بفخامتكم كبيرة إنكم ستقودون لبنان الى بر الأمان والإستقرار. والذين يعرفون في القيادة السعودية يقولون إنّ هذه الثقة الهادفة الى الأمان والإستقرار ستتم ترجمتها في مجالات عديدة تبدأ بعودة السياح الخليجيين عموماً والسعوديين خصوصاً ولا تنتهي عند مدّ الجيش بالمساعدات. في أي حال هذا ما ستظهر حقيقته الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة.
وفي السراي الكبير كان الرئيس سعد الحريري يركّز على التوافق والتفاهم حول مختلف القضايا الوطنية بين الرئيس ميشال عون وبينه. فلم يتناول موضوعاً ولم يتطرق الى مسألة إلاّ تناولها من منطلق الثقة المتبادلة بينهما. ولم يستثن أمراً واحداً من هذه الثقة المتبادلة، الى درجة تبدّى معها وكأن الرجلين متفاهمان على الشؤون الوطنية كافة.
فقال دولته كلاماً كبيراً في هذا السياق. قال «الإنقسام ممنوع، والعودة الى المرحلة السابقة (أي الإنقسام في السلطة) هي أيضاً ممنوعة». وقال: ليس هناك أي شيء مهم أو أمر مهم نختلف عليه. ومشروع فخامته ومشروعنا أن نقوم بالبلد.
ولم يكتف رئيس الحكومة بالكلام على الثقة الثنائية في رأس الهرم التنفيذي بل تناول أيضاً: إعادة الثقة بين المواطن والدولة فعلى إمتداد المرحلة الأخيرة كفر المواطن بالدولة…
وقد يكون من أطرف ما قاله: «التكتكة السياسية» ما بدّي ياها.. ليحسم: «أنا وفخامة الرئيس على تفاهم كامل في الأمور كلها… وسوف ترون أن البلد سيتقدم».
ثقة من مجلس النواب.
ثقة مباشرة من الشعب.
ثقة في ما بين أهل الحكم.
وثقة من الخارج.
هذا ما يُبنى عليه العهد العوني مع الحكومة الحريرية…
… وعلى أمل أن تنسحب هذه الثقة على الجميع وفي ما بين الجميع.
صحيح أن ليس أحدٌ صورة طبق الأصل عن الآخر، ولكن آن الأوان ليدخل لبنان عصر… الدولة!