مُحق “التيار الوطني الحر” في رفضه الشعار الرائج “كلن يعني كلن” أقله من منطلق القاعدة القانونية والمنطقية التي تحرم تعميم الاتهامات بالفساد بالمطلق. لا يعني ذلك ان ليس من واجب الحراك المدني أو غيره ان يرفع مكافحة الفساد مدماكاً اول في انتفاضة غضب عارمة على وسط سياسي قد يكون أسوأ ما ضرب لبنان من آفات، ولا أيضاً تبرئة على الطاير لطرف أو اتهام لآخر أيضاً على الطاير. انها المسألة التي تتصل أولاً وأخيراً بدور الهيئات الرقابية والقضائية في الاضطلاع بدور مختلف بات الانفجار الداخلي في امس الحاجة اليه. حسناً فعل رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان باصداره بياناً يؤكد ان جميع الوزراء والنواب أودعوا المجلس كشوفاً عن ممتلكاتهم ووضع القاعدة الحصرية لمكافحة الفساد بالادعاء على المتهمين في الإثراء غير المشروع. هذا بلد توغل في الافراط في الجنون المبرر وغير المبرر. الجميع يصبحون بين ليلة وضحاها خبراء في اي شيء وتغدو مواسم الثرثرة الصورة الفاضحة عن جهل وخلل في الانتظام قاعدة تسيير للناس والدولة والمجتمع بما يمعن في التدمير والهلاك. بالأمس كان الجميع خبراء في شؤون الجيش وفي الاقتصاد وايضاً في النفايات واليوم صاروا خبراء في الشؤون المالية لا يرعوون عن رمي النظريات التهويلية دونما اي حرج أو استشعار بخطر تعميم الحكي المجاني. ثمة خطورة بالغة في تعميم الخفة اللامتناهية التي بدأت تطل علينا في جولة جديدة تتصل بالأوضاع المالية والاستقرار النقدي هذه المرة، اذ ان ما يمكن التسامح حياله في شؤون أخرى لا ينسحب على هذا الملف القاتل حقاً. قد تكون الضرورات التي باتت معروفة في إلزامية عقد جلسة تشريعية للتصديق على رزمة مشاريع وقوانين مالية ومصرفية ذات طابع دولي تملي رفع بطاقات التحذير من مغبة التخلف عن هذه الخطوة الحتمية. ولكن ذلك لا يقلل خطر ان يترك الخبز لممتهني الثرثرة والتضخيم السياسي لا للخباز المختص وحده. هذه لغة حقائق مجردة لا تحتمل جاهليات، ولا نرى حاجة هنا الى التذكير بسوابق أغرقت البلاد بانهيارات واستهلك ترميم الاستقرار النقدي والمالي أكثر من ربع قرن للخروج من تداعياتها المدمرة. ترانا نتساءل أمام الحال الطالعة بمن نثق بعد؟ هل بغرغرة السياسات ام بلغة الخبراء الحقيقيين؟ أخطر ما في الجهل انه يغدو شريك المتآمرين أصحاب الأهداف المبيتة في دفع البلاد الى الانهيار. هذا الملف هو الأخطر إطلاقاً من كل أزمات لبنان المبتلي بحصار محكم على مؤسساته وبقايا العافية. ولا يمكن تركه عرضة للاستباحة الكلامية الجوفاء التي تسقط أيضاً في محظور تعميم الخراب على قطاعات لا تزال صامدة رغم كل المحن.