من يتابع «المسلسل» الذي يُعرض حالياً في ساحة النجمة، والمؤمل أن ينتهي اليوم بالتصويت على فروع قانون الموازنة بأكثرية ملحوظة… تطالعه بدعة غير مألوفة في الأنظمة الديموقراطية البرلمانية مثل نظامنا الذي ندّعي أنه يدخل في الديموقراطية البرلمانية.
هذه البدعة سبق أن حذرنا منها سلفاً في غير مقالة من قبل أن تحال الموازنة على مجلس النواب، وخلاصتها أنّ نواباً ينتمون الى كتلٍ ممثلة في مجلس الوزراء لا يترددون في توجيه انتقادات قاسية الى الموازنة تفوق حدة الانتقادات التي يذهب إليها نواب المعارضة «الحقيقيون» (أي الذين حجبوا الثقة عن الحكومة).
قد يردد البعض ما قيل أمس في مجلس النواب، حول حق النائب، الذي هو سيّدُ نفسه، أن يتخذ الموقف الذي يشاء إزاء أي موضوع أو قضية أو مشروع أو قانون أو …
وهذا قول جيد من حيث المبدأ. ولكن وحدة الحكم والانسجام بين عناصر الحكومة هو أيضاً أمرٌ مبدئي لا نقاش فيه… وإلا فهناك حلول وضعها المشرّع دفعاً لأي تعطيل في السلطة التنفيذية.
معروف أنّ للوزراء الحق في أن يقدموا آراءهم في مجلس الوزراء، وربّـما كان الرأي مخالفاً للأكثرية الوزارية…
واذا كان هذا الحق لا جدال فيه بالنسبة الى الوزير الفرد، فمن باب أولى أنه حق صراح لممثلي الكتل النيابية في مجلس الوزراء…
ثم يكون التصويت. وهنا أيضاً يحق لأي وزير منفرداً أو ضمن كتلة من الكتل، أن يصوت مع أو ضدّ، وربما يصوت خلافاً لسائر وزراء الكتلة التي هو في عداد وزرائها.
ومن ثم يُتخذ القرار (تصويتاً أو توافقاً) وعندئذٍ لا بدّ من الحالات الآتية في المنطوق الدستوري:
أولاً – يلتزم الوزراء جميعاً بالقرار المتخذ بمن فيهم الذين عارضوه خلال المناقشات الوزارية، وحتى خلال التصويت.
ثانياً – الوزير الذي لا يلتزم بقرار كتلته (إذا هي أيدت وهو عارض أو إذا هي عارضت وهو أيّد) أمام واحد من احتمالين: الاستقالة من الكتلة أو إقالته منها.
ثالثاً – المجموعة (كتلة وزارية) التي تعارض القرار لا يحق لها أن تهاجمه لا في مجلس النواب ولا في أي منتدى آخر…
رابعاً – واستطراداً… بل من واجبها أن تدافع عنه، وفي أسوأ الحالات أن تلتزم الصمت. وإلا فليس أمامها سوى الاستقالة من الحكومة…
خامساً – وإلاّ فعلى مجلس الوزراء أن يقيل الوزير (أو الوزراء) ليس لأنه (أو لأنهم) عارضوا القرار، بل لأنهم في الحكومة ويهاجمون سياستها وهذه بدعة البدع.
منذ زمن ونحن نطالب بفصل النيابة عن الوزارة!