اميركا في محنة وهي ترقص في المهرجانات. خيارها الرئاسي المقبل بائس. وتراث رئيسها الحالي يتركها في هاجس. وليس بين المتنافسين على الرئاسة من يستحق النجاح في انتخابات الثامن من تشرين الثاني ليتسلم اقوى منصب في العالم. لا المرشح الجمهوري دونالد ترامب الاحمق الفظ الكاذب الذي جاء من خارج المؤسسة ورأسماله السياسي والفكري صفر. ولا المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ابنة المؤسسة وصاحبة الخبرة، لكنها المفتقرة الى الصدقية والثقة والتي يصفها المعلق الاميركي ديفيد بروكس بأنها دور اكثر مما هي شخص. والنقاش في المعركة الانتخابية سخيف حول امور شخصية وسطحية في بلد هو الاول في الاقتصاد والجامعات والتكنولوجيا والمؤثر في كل دول العالم.
باراك اوباما المثقف بدا مختلفا حين طرح شعار التغيير ودخل البيت الابيض، وان كان اهم ما جاء به هو التصويت ضد الرئيس بوش الابن وحروبه وسياساته. لكن المؤسسة احتوته بحيث فعل في امور اساسية عكس ما كان يقوله ايام عضويته في مجلس الشيوخ. فهو، بعد كل ما فعل بنيامين نتنياهو به وبأميركا وباعطاء الاولوية لحل الدولتين، يقدم لاسرائيل في نهاية عهده اكبر جائزة قدمها رئيس اميركي: ٣٨ مليار دولار على مدى عشر سنين. وهذا من تراثه الذي سبقه الاتفاق النووي مع ايران والاتفاق الاخير مع روسيا حول سوريا.
لكن اخطر ما تركه من تراث ان اميركا الديمقراطية صارت في واقع افظع من الخيال في روايات جورج اورويل عن الانظمة الشمولية. فما صنعه اوباما، كما يقول جيمس بامفورد في تحقيق نشرته فويرن بوليسي هو اكبر جهاز تنصت. اذ انت مراقب في كل خطوة تقوم بها داخل ثم خارج اقوى دولة مراقبة رآها العالم. فالعين التي ترى كل شيء والصوت الذي يوجه كل شخص في رواية الاخ الاكبر هما اشبه بعمل هواة حيال العمل الاحترافي الذي اشرف عليه اوباما في وكالة الامن الوطني.
ذلك ان الوكالة تدير سبع محطات مراقبة واعتراض على مئات الملايين بكلفة مئة مليار دولار وما كشفه ادوارد سنودن هو جزء من الواقع المخيف، حيث القدرة على اعتراض مئة مليون مكالمة هاتفية في اليوم. ففي تموز ٢٠١٥ اصدر اوباما امرا رئاسيا بانتاج سوبر كومبيوتر يعمل بسرعة ٣٠ مرة اكثر من اي شيء موجود ويدير آلاف تريليونات العمليات في ثانية.
ولا شيء يوحي ان المسار سيتغير. هيلاري كلينتون قالت انها تريد توسيع التجسس. وترامب طلب ان يكون التجسس متفوقا. والأخ الأكبر في البيت الابيض.