IMLebanon

عن ظهور المسيحيّة في الهرمل حول ضفاف العاصي قبل وجود دير مارمارون

كتبت دارين حمادة ريّا

في العصر الروماني كانت الهرمل خاضعة لدياناتهم وخاصة عبادة الإله الأكبر جوبيتر عند الرومان حيث بدا ذلك جليا من خلال النقوش الموجودة على مذبح الهرمل حيث كانت تقدم الاضاحي للاله ، ولكن بعد هذه الحقبة شهدت الهرمل انتشاراً واسعاً للمسيحية، ظهر ذلك من خلال آثار لبعض الأديرة والكنائس حول ضفاف العاصي.

 

ولكن السؤال الذي يطرح هو: كيف بدأت الدعوة للديانة المسيحية في الهرمل؟

 

يروي لنا الأسقف والكاتب تيودور دوسير من مواليد انطاكيا سنة 393 م وكان كاتباً للكنيسة اليونانية في القرن الخامس في كتابه عن «تاريخ رهبان سوريا» وخاصة حياة الراهب المتنسك ابراهامس الذي كان منصرفا» للعبادة والصلاة والحياة النسكية في منطقة قورش قرب مدينة حمص. وذات يوم سمع من زائريه أنه لا يزال في جبل لبنان أقوام يعبدون الأوثان. فحزن حزنا» شديدا» ودبّت في نفسه الحمية وعزم أن يأتي الى جبل لبنان فيرد هؤلاء السكان عن غيّهم فارتحل من قرب مدينة قورش في شمال سورية قاصدا» جبل لبنان. ولما دخل شمالي البقاع وصل الى قرية في جبل لبنان لم يذكر إسمها ووصفها فقط «بالقرية الكبيرة». وكانت مشهورة بزراعة الجوز والإتجار به. فدخلها أبرهامس بصفة أنه جاء إليها لشراء الجوز للإتجار به.

 

فبعد ان استأجر في هذه البلدة بيتاً، ما لبث ان أراد سكانها طرده لأنهم سمعوه يرتل أناشيداً دينية كل مساء، في هذه الاثناء كان قد حضر جابي الضرائب إلى القرية مطالبا أهلها بدفع ما يتوجب عليهم مستعملا» العنف وهنا تدخل أبراهامس وتوسل الجابي بإعطائه مهلة لبضعة أيام ريثما يرجع من حمص فيدفع له مستحقاته. عندها تعجب أهل البلدة وندموا لما فعلوه به طالبين منه ان يبقى في بلدتهم وأن يكون شفيعهم وحاميهم وصلة الوصل ما بينهم وبين أجهزة الدولة.

 

وبعد ان قبل ابرهامس طلبهم، هرع مع أهل البلدة الذين إعتنقوا المسيحية إلى بناء كنيسة وإقامة الصلوات فيها تحت إشرافه الخاص ومكث هناك حوالى الثلاث سنوات ليعود بعدها الى حران ويتسلم فيها الاسقفية بعد انتخابه اسقفا لها.

 

أما بالنسبة للبراهين التي أستند اليها لأثبت أن «البلدة الكبيرة» هي الهرمل.

 

1) ان الهرمل بلدة كبيرة مؤلفة من عدّة أحياء.

 

2) الهرمل هي البلدة الأكثر إنتاجا» وزراعة لشجر الجوز في لبنان.

 

3) قربها من مدينة حمص السورية التي تقع شمال الهرمل التي ظهرت فيها الديانة المسيحية في القرن الرابع ميلادي لأن أبراهامس توفي سنة 422م وبعد هذا التاريخ أكمل تلاميذ الراهب ابرهامس رسالته وأتى رسل ورهبان كثر وخاصة من رهبان مار مارون. حيث كانت مغارة الراهب مار مارون حول ضفاف العاصي شاهداً حياً لانتشار الموارنة بعدها في الهرمل.

 

مغارة الراهب: (دير مار مارون)

 

نشأت المارونية على ضفاف العاصي، وانتشرت في الوادي الخصيب من حمص حتى أنطاكيا وخاصة في منطقة حماة. الا ان خلاف الموارنة المذهبي مع الشيع المسيحية الأخرى وخصوصاً اليعاقبة، ما لبث ان تحول وعلى امتداد قرون عديدة، إلى صدامات دموية أجبرتهم في فترات متباعدة على التراجع والهجرة جنوباً مع مجرى نهر العاصي، حتى وصلوا إلى منبعه في الهرمل ومن هناك صعدوا الى جبال لبنان.

 

عندما وصلوا إلى منابع العاصي تحديداً بالقرب من عين الزرقاء ساعدتهم طبيعة الصخور البارزة على إستغلالها بحفر وإنشاء دير لهم عرف بدير مار مارون الذي سكنه اتباع او تلامذة مار مارون في القرن السادس والسابع ميلادي، حيث قاموا ببناء اسوار وجدران خارجية على طول أربعة عشر متراً. أما مواصفات الدير من الداخل فكان على الشكل التالي :

 

غرفة رئيسية والى جانبها الايمن غرفة أخرى أقل مساحة يصلهما باب ضيق، وعلى شمال الغرفة الرئيسية هناك درج صغير يؤدي إلى الطابق الأعلى حيث يوجد ممر طويل في نهايته خلية في جدرانها يوجد كوات صغيرة وعديدة وظيفتها ازدواجية لأنها تقي من بداخلها من سهام العدو وتسمح لهم بمراقبة من في الخارج.

 

لم يكمل المورانة سيرهم وانتشارهم نحو الجنوب (البقاع) بل اضطروا هرباً من الاضطهاد ان يسلكوا ممرات الأدوية (مثل وادي بريصا وصولاً إلى جرود مرجحين وجباب الحمر ومنها نزلوا إلى وادي قاديشا الذي اتخذوه المقر الرئيسي لهم. «من الواضح ان هذه الهجرة حدثت في أزمنة متوالية، وعلى دفعات متواصلة، وكان المهاجرون الموارنة ينتقلون إلى لبنان مجموعات مجموعات حيث دخلوا البلاد من الشمال أي انهم تبطنوا وادي الأرنط فاجتازوا افاميا (مدينة حماه حاليا) وحمص إلى ان قرّ قرارهم في الجبل. فسكنوا أولاً جهاته الشمالية ثم تقدموا إلى وسطه ثم بلغوا جنوبه وهذا ما يمكن استخلاصه من النصوص التاريخية التي ورد فيها ذكر انتشار الموارنة في لبنان».

 

ان ظروف الانتشار الماروني، فرضت مرة أخرى ان يتعايشوا مع أعدائهم القدامى من اليعاقبة حيث لم يتوقفوا عن ممارسة جهودهم التبشيرية الناشطة فعمدوا إلى إدخال كميات كبيرة من كتبهم إلى هذا الجبل.