Site icon IMLebanon

الهرمل – القُصير… خطّ جديد لتهريب السيارات المسروقة إلى سوريا

ينشط عمل العصابات عند اندلاع الحروب الكبيرة، إذ تنتظر هذه اللحظة لتفعّل عملها مستفيدةً من إضطراب حبل الأمن وتسيّب الحدود، لكنّ بعض المعارك يُؤثّر أحياناً على خطوط التهريب كما حصل مع عصابات سرقة السيارات في بريتال والجوار، ما دفعها إلى البحث عن بديل، فوَجدته، لذلك تسلّط «الجمهورية» الضوء على خطّ التهريب الجديد والتاجر «الملك» الذي حلَّ بديلاً عن «أبو عبدو» في يبرود.

أُقفل خطّ تهريب السيارات المسروقة من بريتال وعرسال الى يبرود وقرى القلمون، بعدما كانت العصابات تسرقها من بيروت وجبل لبنان خصوصاً، وتبيعها الى التاجر «أبو عبدو» الذي كشفت عنه «الجمهورية» العامَ الماضي.

وقد بحثت هذه العصابات عن خطّ جديد للتهريب بعد الأحداث والحرب الضروس التي تشهدها جبال القلمون، وإغلاق الجيش اللبناني منافذ عرسال ورأس بعلبك، وتشَدُّد «حزب الله» في المراقبة، إضافة إلى ضبط هذه السيارات التي إستُعملت في التفجيرات.

وتُعتبر سرقة السيارات مهنة قائمة في حدّ ذاتها، تُضاف الى المهن غير الشرعية التي تمارسها العصابات، وتورثها الى أبنائها الذين يطوّرونها، لتبدأ لعبة «القطّ والفأر» مع الدولة التي تعمل على رصد العصابات ومراقبة خط سيرها للإنقضاض عليها وتوقيف أفرادها.

شكّل لبنان ساحة لعمل عصابات سرقة السيارات منذ فترة طويلة، حيث تتّخذ الجزء الأكبر من بريتال مقرّاً لها، والسبب أنّ لبنان كان سبّاقاً الى استيراد السيارات من الطراز الجديد، في وقت تبلغ أسعار السيارات في سوريا أضعافاً مضاعفة سعرها في لبنان، لذلك، كانت سوريا الوجهة الطبيعية لبيع السيارات المسروقة.

إنخفاض ظَرْفي

لم تيأس العصابات من التفتيش عن منفذ برّي لتهريب مسروقاتها، مع العلم أنّ سرقة السيارات عرفت تراجعاً في النصف الأول من هذا العام، إذ سجّلت الإحصاءات التي حصلت عليها «الجمهوريّة»، «سرقة 416 حتى الشهر الجاري من هذا العام، بينما سُرقت 541 سيارة في الفترة نفسها من العام الماضي، أيْ بانخفاض بلغ 125 سيارة».

ويعود هذا الإنخفاض لأسباب عدّة أبرزها أنّ البيئة الحاضنة للعصابات في بريتال وبعض مناطق بعلبك والهرمل إنتفضت عليها بعد موجة التفجيرات التي ضربت الضاحية الجنوبية والهرمل والمناطق الشيعيّة، في وقت كانوا يعتبرون أنّ سرقة السيارات من بيروت (باستثناء الضاحية الجنوبية) وجبل لبنان، حلال وعمل مشروع.

والسبب الثاني لإنخفاض السرقات هو القبض على خمسة رؤوس أساسيين للعصابات، لكن منذ فترة قريبة أُطلق أحدهم فارتفعت نسبة السرقة قليلاً. أما السبب الآخر لإنخفاض السرقات فكان تطبيق الخطّة الأمنية في بريتال وعدم اعتماد عنصر المفاجأة، فاستبقت العصابات تنفيذها وفرّت لتتمركز في مكان آخر وإستغرقت بالتالي وقتاً لبرمجة عملها مجدّداً، إضافة الى أنّ عصابات عرسال غيّرت نوعية أعمالها.

شق الخطّ

الإنخفاض في سرقة السيارات لا يعني توقّف عمل السارقين الذين يتخطّى نشاطهم حدود لبنان، ويتعاملون مع مافيات وعصابات إقليمية تنشط في الحروب الاهلية حيث تستعمل السيارات عنصراً فعّالاً في التفجيرات وإستهداف نقاط المتقاتلين. وفي هذا السياق، تكشف «الجمهورية» وفق معلومات أمنية عن خطّ التهريب الجديد البديل عن خط عرسال- بريتال- يبرود، وهو خطّ الهرمل- القُصير، حيث يستخدمه السارقون لتصدير غنائمهم.

وفي التفاصيل، وجدت العصابات في معابر الهرمل طريقاً سالكاً لعملها، إذ يشحنون السيارات في الجبال الوعرة ويمرّون خصوصاً في معبر وادي فيسان ويصلون الى بلدة القُصير السوريّة، فهذه المنطقة بعيدة من مراقبة الدولة التي لا تستطيع أن تضع كلّ 10 أمتار مركز مراقبة، فيما لا يستطيع «حزب الله» ضبط هذه المنطقة الوعرة والكبيرة جغرافياً.

وبعد وصول السيارة المسروقة الى القُصير، تتصل العصابات بأصحابها وتطالبهم بدفع مبلغ مالي لتسليمها، وعندها يتعرّض أصحاب هذه السيارات للسلب على الطريق من العصابات نفسها، علماً أنّ بعضهم خاطر بالذهاب الى القُصير واستردَّ سيارته بعد معاناة كبيرة.

التصدير

يَغيب «بارون» وتفرز العصابات «بارونات» جُدداً، فـ»أبو عبدو» كان يُمسك سوق تصدير السيارات المسروقة في يبرود، وبعد المعارك بات مصيره مجهولاً والأرجح أنّه إنضمّ الى تنظيم «داعش»، فحضر «بارون» آخر في القُصير.

وعلمت «الجمهورية» أنه يُدعى رضا يونس، وهو سوريّ الجنسية، إمتهن السرقة منذ زمن طويل، وكان موجوداً في السوق. وبما أنّ المَثَل يقول «مصائب قوم عند قوم فوائد»، إستفاد يونس من توقّف عمل «أبو عبدو» ونَسَج علاقات مع عصابات بريتال وأمّن لها سوق التصدير، أو مكاناً تضع فيه سيّاراتها ريثما تتمّ المقايضة مع أصحابها.

وبما أنّ الاحداث السورية تتلاحق بعد سقوط المناطق الحدودية مع الاردن وسوريا في يد «داعش» و»النصرة»، فتّش تجار السيارات المسروقة عن سوق جديد بديل عن الخليج وهاتين الدولتين، وبالتالي نسجوا علاقات وفق ما تذكر معلومات أمنية متابعة لهذا الملفّ مع تجّار أتراك، فأصبحت وجهة السيارات المسروقة تركيا وجمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق في أوروبا الشرقية.

وتتخوّف المراجع الامنية من أن تنشط حركة السرقة مجدّداً، خصوصاً أنَّ التفجيرات قد تراجعت والبيئة الحاضنة للعصابات قد تعود عن تحفّظاتها، هذه التحفّظات التي ساعدت في فترات سابقة مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية في قوى الامن الداخلي في القبض عليها، كما أنّ إطلاق البعض وبرمجة العصابات عملها وفق خط التهريب الجديد وانفتاح سوق التصدير نحو تركيا يُعطي دفعاً لعصابات بريتال وحلفائها لمعاودة عملهم.

خصوصاً أنّ عمليات الرصد لمكتب جرائم السيارات مستمرّة، لكنّ العصابات أدخلت تقنيات جديدة على عملها، وإستخدمت «الواتساب» وشكَّلت مجموعات تُحذّر بعضها بعضاً كلّما شعرت بحركة أو مداهمة قريبة من بريتال، وهذا ما حصل مع المطلوب (أحمد س) الّذي استطاع المكتب الإطّلاع على حركة اتصالاته ورسائله ما سرّع التنفيذ.

في وقتٍ تقبض القوى الأمنية على بعض العصابات، تنشط عصاباتٌ أخرى مُحاوِلَة ضرب أمن المواطن والأمن القومي من خلال التفجيرات وإهتزاز إستقرار المجتمع، وطالما أنّ الحرب السورية مستمرّة، فمن الصعب ضبط الفلتان، بل أقصى ما يمكن فعله هو التخفيف من وطأته.