Site icon IMLebanon

عنتريات خارج السياق الوطني والميثاقي

 

جلسة «الحوار الوطني» التي انعقدت يوم الإثنين الفائت، لم تكن لا حواراً ولا وطنياً، بل كانت مع الأسف كتلاً من المفرقعات شديدة الإنفجار حتى لاخترق دويّها مكان الإنعقاد، وانقلبت إلى عبث بالطاولة الحوارية ومحاولة من قبل الوزير باسيل لتحويل المنهج الحواري الذي اختطه الرئيس بري بموافقة الجميع، قائما ومستمرا كائنا ما كان هزال الركائز التي ترسو عليها، وعدد ونوعية النتائج التي أسفرت عنها حتى الآن.

كلام ملتهب وخطير، صدر عن المشاركين في جلسة الإثنين، فالوزير باسيل عاد ليرسي المشكلة الرئيسية لأزمات البلاد كمشكلة «وجودية ميثاقية»، والوزير فرنجية رد بجملة من الأقوال والمواقف: إننا نعمل على تحصيل حقوق المسيحيين التي افسدتموها أنتم. لقد دمرتم مكتسبات المسيحيين، لا تخبرنا بعنترياتك، من أنت ومن تمثل، أي إنتخابات فزت فيها. أما الوزير بطرس حرب فقد طالب بالكف عن المتاجرة بالمسيحيين وبغرائز الناس وعواطفهم: كما أوضح النائب سامي الجميل أن الميثاقية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، فهو مفتاح لحل كل الأزمات.

وزير «الدبلوماسية»، باسيل هدّد بمقاطعة الحوار إضافة إلى التهديد بالخروج من الحكومة، وبسؤال الحاضرين جميعا: بدكن يانا ولاّ لأ؟! وما وصفه الوزير فرنجية «بالعنتريات» تحقق فعلا داخل جلسة الحوار، عنتريات لم توجه في الواقع إلى المتحاورين حول الطاولة، بل كانت موجهة إلى الشعب اللبناني بأسره. تهديدات بقلب الطاولات والنزول إلى الشارع واعتبار أن الإمتناع عن انتخاب العماد عون وتحقيق مطالبه المرتبطة بأوحديته في التمثيل المسيحي، هي خرق لتلك الميثاقية اللبنانية التي لا يمكن أن تتحقق إلاّ بانتخاب الجنرال وحده لا شريك له، رئيسا للجمهورية، رئيسا على كل اللبنانيين بكل فئاتهم واتجاهاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، فاذا كان هذا المرشح الأوحد للرئاسة سيتعامل مع اللبنانيين وسيحكمهم ويخاطبهم على النحو الذي اعتاد عليه والذي اقتبسه منه صهره معالي وزير «الديبلوماسية»، وإذا كان المرشح الأوحد يتصرف وليس بيده سلطة، فكيف سيكون تصرّفه المتوقع مع قضايا لبنان ومواقف اللبنانيين، وهل تتكرر مواجهاته المتجاوزة لأدنى حدود الميثاقية التي يدعو إليها اليوم بكل هذا الحماس وهذا التفسير الغارق في خصوصيته الضيقة والمتغيرة بتغير الزمان والمكان والظروف، وأين كانت هذه الميثاقية العتيدة يوم حاول أن يحكم لبنان بحكومة مؤقتة عرجاء استقال منها كل الوزراء المسلمين فتابع عملية الحكم وكأنه في حرب ضروس ضد اللبنانيين كافة وفي طليعتهم من كانوا في تلك الأيام العصيبة ضحايا حرب الإلغاء التي سريعا ما تحولت إلى «حرب التحرير» الأمر الذي مكّن النظام السوري من الإمساك أكثر فأكثر بالعنق اللبناني وبالإرادة الوطنية التي أمعن في تقطيعها إرباً إرباً.

إن معارضة كل ما هو قائم حاليا من بقايا السلطة والمؤسسات، وإن الطعن بكل ما هو قائم وكل ما هو ثابت ومتحرك على الأرض اللبنانية وفي طليعتها تلك «الميثاقية المستحدثة» التي يطلقها الوزير باسيل ومن تبقّى له في حزبه من أركان التيار الوطني الحر، وإنّ كل المواقع والمتاريس المادية والمعنوية التي يضعها التيار في وجه الجميع، تسقط بكل ركائزها إذا ما تحققت أوحدية الترشيح للرئاسة وأوحدية الإنتخاب للجنرال.

أما الميثاقية المتمثلة بكون لبنان بلدا ديمقراطي الأسس، برلماني النظام، قائما على مجموعة من الحرّيات الشخصية والسياسية التي تحكمها الأنظمة والقوانين، فهو لا يلقى أي اعتراف وأي موافقة من قبل أولئك الذين اخترعوا هذا النوع المستجد من الميثاقية، وهم اليوم اذ يهدّدون بالنزول إلى الشارع، فإن الشارع ليس ملكا لفئة ولا لجهة ولا لطائفة ولا لمذهب، هو ملك للجميع، ومتاح النزول إلى أرضه أمام الجميع وما يتيحه البعض لنفسه من إمكانات وحقوق في هذا الصدد هو في واقع الأمر، حق متاح لسواهم، في حال انتهاج هذا الأسلوب وهذا المسلك من أية فئة لبنانية تفكّر وتنفذ برؤوس حامية، وهو أفضل وسيلة متاحة أمام أي مغامر أو متآمر لاختلاق أجواء مؤسفة رذلها المجتمع اللبناني بغالبيته الساحقة، ومؤدّاها الحتمي يصبّ في إطار أحداث ملتهبة قد تسفر عن إيقاع هذا البلد المُعاني والصابر في أكثر من مطب، ويدفعه إلى أكثر من هوّة. نحن بغنى عن مزيد من التصرّفات العنترية والتهديدات التي عفا عليها الزمن. إن حكم التاريخ سيكون قاسيا على كل هذه التصرفات المؤسفة التي يزداد إجماع اللبنانيين على رفضها فكرا وتصورا وتنفيذا.