IMLebanon

مهلاً إيران… الصين لن تنقذكم!

 

يبدو أن هدف دونالد ترمب، خنق إيران اقتصادياً بعد انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، بدأ يتحقق. فقد نجح في إخافة المستثمرين الأوروبيين من عقد صفقات استثمارية مع طهران. غير أن القيادة الإيرانية تعتقد أنها تمتلك سلاحاً سرياً يتمثل في استخدام الاستثمارات الصينية ومشتريات النفط كأداة لتعويض الخسائر التي ستتكبدها بعد انسحاب الغرب.
وبالنظر إلى احتياجات الصين للطاقة والحرب التجارية الدائرة حالياً بين واشنطن وبكين، فربما يبدو هذا السيناريو واقعياً. لكن من المؤكد أن هذا محض خيال، فرغم قدرة الصين على تخفيف حدة العقوبات عن إيران، فهي لا ترغب في أن تلعب دور المنقذ لطهران.
بالنسبة للحكومة الإيرانية، فقد بدأت الأزمة الإيرانية تتخذ منحى حرجاً، فقد انهارت العملة إلى مستوى غير مسبوق بعد أن بلغت قيمة الريال الإيراني 90 ألف مقابل الدولار الواحد، وهي أقل من نصف قيمته عند بداية العام الحالي. وشهدت طهران في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أكبر احتجاجات عامة منذ عام 2012.
لن يعاد فرض العقوبات الأميركية قبل أغسطس (آب) القادم، ولكي تسوء الأوضاع، فقد تسبب قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الأسبوع الماضي زيادة الإنتاج – وهي الخطوة التي أيدها ترمب – بوضع المزيد من الضغوط الاقتصادية على إيران. علاوة على ذلك، فإيران ليست مستعدة لزيادة الإنتاج بسبب العقوبات الأميركية وبنيتها التحتية المتهالكة، لكن الآن وبعد أن بات انهيار أسعار النفط مؤكداً، فإن مبيعات النفط الإيراني لن يجلب لها سوى القليل من العملة الصعبة التي هي في أمس الحاجة إليها.
لكن هل الخطة «ب» المتعلقة بالصين تكفي لإخراج إيران من أزمتها الاقتصادية الحادة؟
يدور جدل في واشنطن حول هذا السؤال؟ فالعقوبات الأميركية الجديدة لن تؤثر على القطاع الخاص الصيني بالدرجة نفسها التي ستؤثر بها على نظيره الأوروبي. لكن بعد أن باتت الخيارات الإيرانية محدودة، فمن الواضح أن الاستثمارات والصادرات ومشتريات النفط الصينية ستمثل عنصراً مساعداً للإيرانيين بدرجة كبيرة.
أولاً، لنتذكر أن إيران اتجهت إلى أوروبا بعدما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الربيع الحالي. وفي سبيل إبقاء الاتفاق على قيد الحياة، شجع مسؤولو الاتحاد الأوروبي الشركات على مواصلة التجارة مع إيران والاستثمار فيها. وعرضت الحكومات الأوروبية منح إيران إعفاءات تجارية خاصة والسعي للحصول على استثناءات أميركية للشركات التي تتعامل تجارياً مع طهران.
لكن الشركات الأوروبية لم تبدِ اهتماماً بذلك. فمن ناحية الاستثمارات، كانت شركة «بي إس إيه» (المنتجة لسيارات سيتروين وبيجو) آخر من أنهى مشروعات مشتركة مع شركتي إنتاج سيارات إيرانيتين. وعلى الجانب الآخر، قالت شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال» إنها ستلغي صفقة تقدر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات مع طهران إن لم تتلق استثناءات خاصة من العقوبات الأميركية، وهو أمر غير وارد الحدوث. وهناك نحو عشر شركات أوروبية قامت هي الأخرى إما بإلغاء أو تعليق اتفاقات استثمارية كانت قد أبرمتها مع الجمهورية الإسلامية. صحيح أن إيران والصين تتمتعان بالفعل بعلاقات قوية، لكن بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، وافق الرئيس الصيني شي جينبينغ على خطة مدتها 25 عاماً لتوسيع نطاق التعاون المشترك. وقد تضمن ذلك زيادة التجارة الثنائية عشر مرات لتصبح 600 مليار دولار خلال العقد المقبل. علاوة على ذلك، أمام الصين خيار أن تحل مكان فرنسا في صفقة «توتال»، لكن كثيراً من الخبراء يرون أن الاستثمارات الصينية لا يمكنها تعويض ما ستخسره إيران جراء انسحاب الغرب. على سبيل المثال، لكي تعيد تأهيل بنيتها التحتية النفطية وتقليص تكلفة الإنتاج، ستحتاج إيران لاستيراد تكنولوجيا متطورة لا توجد إلا في أوروبا والولايات المتحدة. وبحسب دانيال غلاسر، المسؤول عن تفعيل العقوبات بوزارة الخزانة الأميركية على مدار عقدين كاملين، فإن «التكنولوجيا الصينية ليست بكفاءة نظيرتها الغربية فيما يخص الاستكشاف والاستخراج، ولذلك فإن الاعتماد على التكنولوجيا الصينية في هذا الشأن سيضع الإيرانيين في منافسة في غير صالحهم».
بالإضافة إلى ذلك، فقد توقع البعض فشل تنفيذ الاستثمارات الصينية على أرض الواقع؛ فالشركات والبنوك الصينية الكبرى المهتمة بالتعاون التجاري مع الولايات المتحدة التي تجري تعاملات تجارية بالدولار ستُمنع من التعامل مع إيران مثلما جرى مع الشركات الأوروبية. فما يعرف بالولاية القضائية خارج الإقليم بالنسبة للعقوبات الأميركية ينطبق على أي شركة، بما في ذلك الشركات الصينية التي تقوم بتعاملات بالدولار الأميركي، حتى وإن كانت تلك التعاملات تجرى مع شركات غير أميركية.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنه سيجري تحديد مواعيد نهائية قبل تطبيق العقوبات بصفة نهائية. الموعد الأول 6 أغسطس، سيترك أثره على أي صفقات بالدولار الأميركي أو تجارة الذهب وبعض المعادن الأخرى ومجال الطيران وصناعة السيارات، ولن يكون بمقدور الشركات الصينية الكبرى تفادي مثل هذه العقوبات.
وفيما يخص إكسير الحياة بالنسبة للاقتصاد الإيراني، أي النفط، فسيكون على طهران إيجاد أسواق بديلة.
بحسب الأرقام الصادرة عن البنك المركزي للجمهورية الإسلامية، فعندما طبقت العقوبات الأميركية، تراجع الإنتاج الإيراني من أربعة ملايين برميل يومياً عام 2010 إلى 2.5 مليون برميل عام 2013. وبمجرد رفع العقوبات عام 2016 وبعد توقيع الاتفاق النووي، ارتفع الإنتاج مجدداً إلى أربعة ملايين برميل يومياً. كذلك ارتفع الناتج القومي الإجمالي الإيراني من 3 في المائة إلى 12 في المائة بعد رفع العقوبات.
وكشفت صحيفة «فاينانشيال تريبيون» الاقتصادية الإيرانية، أن صادرات إيران من النفط الخام في الوقت الحالي تبلغ 2.62 مليون برميل يومياً، 38 في المائة من مبيعاتها تذهب إلى الشركات الأوروبية. وإن لم تتراجع أوروبا عن العقوبات القاسية التي فرضتها على النفط الخام الإيراني قبل توقيع الاتفاق النووي، فسوف تتقلص وارداتها بكل تأكيد.
ربما تستطيع إيران تعويض بعض الخسائر عن طريق بيع المزيد من براميل النفط إلى الصين (كانت ترسل أقل من مليون برميل يومياً إلى آسيا قبل توقيع الاتفاق النووي). لكن في أي مفاوضات مع الصينيين، فإن غياب البدائل الفعلية أمام إيران سيضعها في مأزق حقيقي.
وبحسب غلاسر: «لو أن إيران عرضت تخفيضاً على سعر النفط أو مزايا في الفرص الاستثمارية، فستسعى الصين إلى الاستفادة من ذلك»، مضيفاً أن «الصين لن تغير من استراتيجيتها بعيدة المدى ولن تعتمد كلياً على النفط الإيراني استناداً إلى نزاع دبلوماسي قصير المدى».
ولذلك، فإن تقليص مبيعات النفط من شأنه أن يتسبب بتراجع احتياطي إيران من العملة الصعبة وسيجعل من الصعب على طهران الوفاء بتعهدات ميزان مدفوعاتها.
داخلياً، تُمارس ضغوط متزايدة من قبل المتشددين الإيرانيين للانسحاب بالكامل من الاتفاق النووي، وهو ما يصب في صالح قوات الحرس الثوري. فتلك القوات متغلغلة في الاقتصاد الإيراني وتمتلك عشرات الشركات في كثير من الصناعات، وستستفيد من احتكار الاقتصاد الإيراني سريع الانكماش عندما يعاد فرض العقوبات مرة أخرى.
من شأن كل ذلك أن يؤثر على ديناميكية إيران من الداخل. فعلى الرغم من ارتفاع الناتج القومي الإجمالي الذي حدث بعد رفع العقوبات، لم يرَ الإيرانيون سوى القليل من الفوائد المادية على الأرض، فقد استمرت الأجور على حالها وارتفعت البطالة والأسعار.
وقد أخذت شعبية مهندسي الاتفاق، الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، في التراجع، كما هو الحال بالنسبة للحرس الثوري، الذي بات الناس يرونه باعتباره من يحول وجهة المال من الاقتصاد الإيراني إلى المغامرات الأجنبية. ولذلك، فإن اتضح أن الأخير يستفيد مادياً من إعادة فرض نظام العقوبات، فسوف تتعرض جميع الأطراف للخسارة سياسياً إذا لم تتحسن صورة الاقتصاد.
وإلى أن يحدث ذلك، فستحتاج إيران إلى الاستثمارات الأجنبية وإلى أسواق تصدير فعلية لنفطها الخام. ولذلك إذا كانت إيران تنظر إلى الصين بوصفها شريان الحياة فسيخيب ظنها.

– بالاتفاق مع «بلومبيرغ»