مباشرة وبوضوح شديد، يستطيع الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع أن يبقيا مرشحين للرئاسة الى الأبد، لكن لن يُنتخب أحدهما في هذه الدورة رئيساً للجمهورية. لا يتعلق هذا الوضع القاسي لكليهما بنقص في الكفاءة أو الاستحقاق. القضية أن 8 آذار لا يمكنها إنجاح الجنرال وإيصاله الى قصر بعبدا، ولا 14 آذار كلها يمكنها إيصال الحكيم الى الرئاسة. في قلب هذه الاستحالة أن لا أحد يمكنه إلغاء أحد، مهما بلغت قوته. سقوط التوافق، يقيم المتاريس ويلغي لبنان. من المؤكد أن الجنرال والحكيم لديهما من الالتزام الوطني ما يكفي لعدم اغتيال لبنان. رغم ذلك يصرّان على الاستمرار في المواجهة. الجنرال يعتبر أنه ينتخب الآن أو لن يكون حتى مرشحاً للدورة القادمة.
الى ذلك، يعرف الجنرال ويقولها علناً، «إن السعودية لا تريده وهو لا يعرف لماذا». والحكيم متأكد ويقولها علناً «إن إيران وضعت الفيتو عليه». رغم ذلك يتابعان المعركة. السؤال لماذا يتابعان هذه المعركة إذا كان كلُّ واحد منهما لا يحوز على الصوت اللبناني المرجح، والصوت الإقليمي الحاسم، في وقت يتعرض لبنان الى أقسى التجارب والامتحانات المصيرية؟
لبنان في خطر. العدو «الداعشي» اخترق الحدود. لا توجد ضمانات الى الأبد لحماية لبنان خصوصاً إذا لم يحمه اللبنانيون. العدو الخارجي يمكن مواجهته ولو مع كثير من الخسائر. العدو الداخلي أخطر وهو متمثل حالياً في الفراغ الرئاسي المستمر منذ 238 يوماً والمرشح للتمديد الى فترة غير محددة.
بقاء لبنان ضروري للشرق الأوسط اليوم أكثر من أي وقت مضى. وبقاء المسيحيين وجوداً ودوراً ضروري للبنان أكثر من كل مراحله التاريخية السابقة. لبنان بلا المسيحيين يفقد «ملحه» و»عقله» المفتوح والمنفتح على الخارج. المسيحيون اللبنانيون نهضوا بلبنان ومعه المشرق. مراجعة بسيطة لما قدموه في مجالات العلم واللغة والثقافة والصحافة اللبنانية والعربية تكفي لتقدير أهميتهم..
الرأي العام المسيحي اللبناني يشعر بالمخاطر التي تهدد وجوده. النار التي دخلت الى «بيوت» اللبنانيين يعيشها المسيحي أكثر من غيره، لأنه يؤمن بأنه مستهدف وجودياً وليس فقط حضوراً ودوراً. ما يريده المسيحي اليوم ليس أكثر من المسلم، أي الأمن والاستقرار وانتظام عمل المؤسسات واستمرار التوازن الداخلي. لا يكفي أن يعرف اللبناني المسيحي ماذا يهدده وماذا يريد، كما اللبناني المسلم، وإنما أن يعمل على إخراج لبنان من الفراغ الرئاسي الذي سيتمدد حكماً ويضرب كل المؤسسات.
يُقال إن المسيحي خائف. هذا الخوف طبيعي أمام ما يجري في العراق. تعمل عائلات مسيحية بأكملها على تحضير جوازات سفر لأبنائها خصوصاً في الشمال، ليرتفع بذلك منسوب الهجرة الى أرقام قياسية. كل ذلك لا يعفي المسيحيين خصوصاً الموارنة: بدلاً من التحزب لمرشَحين خاسرين مسبقاً، ليتحدوا ويتقدموا نحو الدفع باتجاه الخروج من الفراغ الرئاسي.
الصوت الانتخابي الإقليمي، كان دائماً مهماً وحاسماً في انتخاب رئيس الجمهورية. فهل يجب انتظار اتفاق القوى الإقليمية وصدور توجيهاتها حتى يتم التوافق فالاتفاق على اسم الرئيس الذي ينهي الفراغ؟ كل ذلك في وقت لا يبدو هذا الاتفاق سريعاً، لأنه يجب أن ينضج على نار التوافق حول مستقبل سوريا والعراق واليمن؟
ماذا ينفع الجنرال والحكيم الاستمرار في المعركة، في وقت يكون فيه المسلم اللبناني ولأول مرة بحاجة لقرارهما للمحافظة على «البلد»؟ يمكن أن يقول كل منهما خصوصاً الجنرال ألف حجة وحجّة للاستمرار في المعركة، لكن كل الحجج تسقط أمام السؤال الكبير: خياركما الرئاسة أم لبنان؟
وحدة الموارنة، تنقذ لبنان.. انقسامهم يدفع لبنان الى الهاوية… لا علاقة لحكم القدر بذلك. إنه الواجب الذي لا يمكن بعده أن يُقال أرادوا تهجيرنا.. كل ما في الأمر أنهم نفذوا بإرادتهم واختيارهم إرادة «الداعشيين» وغيرهم.