المأزق الذي يغرق فيه لبنان لا يستثني أيّاً من قواه السياسية، سواء كانت ممثلة في الحكومة أم لم تكن. وإذا كانت عودة الناس إلى الشارع احتجاجاً على تردي الأحوال المعيشية تختزل عمق المأزق، فإن الحكومة هي الأخرى في صلبه، بعدما كان بعض الشارع حيّدها نسبياً عند تأليفها. بات المحتجون يصنفونها ضمن شعار “كلن يعني كلن”، بعدما تماهت مع أركان الحكم.
القوى التي ترعى الحكومة، أدخلتها في دهاليز التسابق على المواقع في السلطة، وفي المنحى الكيدي لاقتلاع الخصوم منها. أضاع هؤلاء على الحكومة الوقت الضيق أصلاً، لتقدم على خطوات سريعة ترسم خريطة طريق الحلول. هذا ما حصل في أزمة المحاصصة في تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان، ما اضطرها لسحبها من التداول. ثم مع فكرة الـ”هيركات” المقنع بالاقتطاع من الودائع، الذي سحبته أيضاً، ومع إقالة الحاكم رياض سلامة، الذي أجلت البت به نتيجة الخلافات داخلها وردود الفعل العنيفة خارجها. آخر فصول إلهاء الحكومة بالكيديات ولعبة التنافس على مواقع السلطة، ما سببته تدابير مستشاري الرئيس ميشال عون حول “مكافحة الفساد” والتي تبنتها وزيرة العدل، من هواجس تؤشر إلى استهداف الحريرية السياسية والزعامة الجنبلاطية وحتى بعض الشركاء في السلطة. كان المنتظر خطوات سريعة تثبت للداخل والخارج أن قراراتها تعيد الثقة للجم ارتفاع سعر الدولار، فأقحمت القوى الراعية للحكومة عملها بصراعات تعيقها. وفي كل هذه الأمثلة لا تختلف العراقيل أمام الحكومة، عن تلك التي أعاقت حكومة الرئيس سعد الحريري وقادته إلى الاستقالة بعدما عطل منطق الاستئثار عملها.
أكثر المنزعجين من ردود الفعل على المنحى الذي سلكته الحكومة في الحالات المذكورة كان “حزب الله”. فهو يمارس لعبة ترك عون يقضم المواقع في السلطة بالتعاون مع رئيس الحكومة حسان دياب، ثم يقاسمه النتائج حسب ردود الفعل. يطلق يده في المغامرة ويحصد النتيجة، ويدعوه إلى التراجع إذا تعذر النجاح، وهو واقف في الخلف. لكنه يضطر كل مرة لحقن الحكومة بالمقويات كما فعل الشيخ نعيم قاسم أمس، في وقت لم يطرح المعارضون إسقاطها، فيعيد إلى القائلين بأنها حكومة “الحزب” حجتهم.
لم يرق لـ”الحزب” رد الحريري الهجمة على سلامة بهجوم على “العهد القوي” وعلى دياب، وموقف رؤساء الحكومة السابقين، على رغم أن زعيم “المستقبل” لم يتناول دور “الحزب” مثلما فعل رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط. بل ان الحريري كان صامتاً خلال الأشهر الثلاثة الماضية. فهل يتوقع “الحزب” أن يسلّم بشطب كل من يمت إليه بصلة، بغطاء من دياب؟ وهل كان بين حلفائه في السلطة، وتحديداً عون وجبران باسيل، من وقف ضد تطبيق العقوبات الأميركية عليه فاعتبروا الأمر “أكبر منا”، إذا كان هذا مأخذه على سلامة؟
كان طبيعياً ألا يرتاح إلى قول جنبلاط “لا لمحاولات حزب الله (وعون) إلغائنا، وتطبيق مثال سوريا والعراق وإيران في لبنان”. نسب “الحزب” الموقف إلى لقاء السفيرة الأميركية به، متناسياً أنها التقت حليفه جبران باسيل لساعتين، وكذلك دياب، وأن صفقة عامر الفاخوري التي أزعجته تمت مع العهد، وسحب التعيينات المالية تمّ خضوعاً لموقفها.
إذا كان “الحزب” يتبرأ من أن الحكومة حكومته لتجنيبها والعهد سلبيات الموقف الغربي، وخشية من تحمله كلفة رعايتهما، فإن الاختباء خلفهما بات مستحيلاً.